التحليل السياسي والحاجة لعباءة جديدة
علينا اليوم أن نعيد صياغة التحليل السياسي، ونفتح أبوابا علمية لتضفي على النظريات أبعادا جديدة، وأن نأخذ الصفات الشخصية والسيكولوجية على محمل الجد في تحليلاتنا السياسية والاجتماعية لتصبح الصورة أكثر واقعية، وتصبح مواقفنا التفاوضية أكثر سلامة.
برز علم التحليل السياسي وتألق بأساليبه الإعلامية الجديدة مؤخرا، وذلك عبر الإعلام المرئي والمسموع وأدوات التواصل الاجتماعي، ولو عدنا إلى التحليل السياسي ونجوميته لوجدنا أن نهج المقارنة صعد بجاذبية منذ الخمسينيات، واستمر جاذبا للمحللين السياسيين والباحثين في شتى المجالات، وأبرزها مجال السياسة الخارجية، وأبرز من كتب في هذا المجال فاليري هادسون التي برعت في رسم تاريخ السياسة الخارجية المقارن، مستخدمة أساليب وأنساقا ومستويات تحليلية متعددة بحرية ومرونة.أقول ذلك بعدما اتضح ذلك اليوم ومن متابعتي للعديد من المقالات والأوراق البحثية من واقع عملي، والتي تتناول "الأفكار" المتشابهة والمختلفة بين أنماط السياسة الخارجية لأكثر من دولة عبر استخدام أدوات تحليلية، ومنها المستويات الثلاثة: الفرد والمؤسسة والدولة، وقد استخدمناها كباحثين في الكتابة عن الكويت والمساعدات الإنسانية، وذك باختيار الفرد أو الشخصية الكويتية وتاريخ العمل الإنساني المتمثل بالمساعدات الشعبية الكويتية خلال فترة الستينيات للقضايا العربية، كفلسطين والجزائر والطلبة اليمنيين.
أما على مستوى المؤسسة فالخارجية الكويتية كمؤسسة حكومية بادرت منذ الاستقلال بإرسال المساعدات لمناطق الكوارث، وعلى الصعيد الدولي فتأتي مبادرة صاحب السمو، حفظه الله ورعاه، بتوجيه الاهتمام إلى القضايا الإنسانية بفترة ما بعد الربيع العربي، وتحفيز الدول للتبرع لمخيمات اللاجئين السوريين، وإنشاء المدارس واستمراريتها، والكل يعلم أن استمرارية التعليم ستوفر المهارات للأجيال الناشئة، وتحميها من الجهل، وبالتالي العنف والتطرف.واليوم نتابع تطور علوم التحليل السياسي واجتذاب علم السياسة لعلوم أخرى ليدمجها في النهج التحليلي، ومنها نظريات اتخاذ القرار، وهي نظريات إدارية بحتة استعارها كل من بروك شنايدر وسابين في الخمسينيات لتصبح محورا مهما في التحليل السياسي، تبعتها علوم "البيروقراطية والمؤسسات" التي التحقت بعالم التحليل السياسي في فترة الستينيات والسبعينيات، وأبرز من استخدمها أليسون وهالبرين، وذلك في إلقاء الضوء على البيروقراطية واتخاذ القرار في المؤسسات الأوروبية والأميركية، أما منطقة الخليج والعالم العربي فعرفت بالعامل الفردي كمؤثر في اتخاذ القرار بدلا من المؤسسي. وعلينا أن نتوقف لنسجل ملاحظة هنا، ألا وهي عزوف المحللين السياسيين عن استخدام المحور السيكولوجي "النفسي" في فهم عملية اتخاذ القرار، فالقضايا الخاصة بالحوار مع الدول المجاورة ذات الثقل الاستراتيجي كإيران والعراق والمملكة العربية السعودية، بل حتى بقية دول مجلس التعاون مرتبطة ارتباطا مباشرا بالعامل النفسي أو السيكولوجي لدائرة اتخاذ القرار، بل ترتكز مهارات التفاوض أيضا على فهم العامل النفسي للفريق التفاوضي، وأذكر من أبرز من كتب في هذا المجال كينيث بولدنغ وهارولد ومارغريت سباوت.واليوم وبعد طرح تلك الأفكار علينا أن نعيد صياغة التحليل السياسي، ونفتح أبوابا علمية لتضفي على النظريات أبعادا جديدة، وأن نأخذ الصفات الشخصية والسيكولوجية على محمل الجد في تحليلاتنا السياسية والاجتماعية لتصبح الصورة أكثر واقعية، وتصبح مواقفنا التفاوضية أكثر سلامة.كلمة أخيرة: مهاجر اقتصادي!منذ نهاية عام 2010 أي مع انطلاق الربيع العربي بدأ الجيل الأول من العرب بالهجرة والمقدر بثمانية ملايين مهاجر، 62% منهم ذهب إلى القارة الأوروبية، و20% إلى منطقة الخليج، و7% الى دول عربية أخرى، و11% إلى مناطق أخرى في العالم، والإحصائية من مركز بحثي تابع للاتحاد الأوروبي (إم أي بي).ويصنف المركز الدول العربية إلى مرسلة ومستقبلة، فالمملكة المغربية تعتبر من الدول المرسلة للمهاجرين، مليون ونصف غادروا المغرب عام 2001، ومليونان وربع المليون عام 2010 أي بزيادة 62% وبدرجات أقل تأتي مصر والجزائر وتونس، أما سورية فتخوض اليوم "انتفاضة إنسانية "لا مثيل لها، ويمر اللاجئ السوري من بوابة الاتحاد الأوروبي إما مهاجرا مستعدا للعمل (مهاجر اقتصادي) يتماشى مع القانون الهولندي والبريطاني والآيسلندي، ويمثل أكبر خسارة للعالم العربي، وإما لاجئا يهدف إلى الاستفادة من المساعدات الإنسانية لا سيما الألمانية، فأين الدول العربية من الهجرة الاقتصادية (هجرة الأدمغة)؟!