بعد مرور عام على بداية تدهور اسعار النفط الخام باتت صورة اتجاهات الذهب الاسود اكثر وضوحا خصوصا على صعيد الاسواق العالمية التي انتقلت مؤخرا من السياسات القصيرة الأمد الى المتوسطة والطويلة.

Ad

فبعد عام خسرت فيه اسعار النفط العالمية وما يرتبط بها محليا نصف قيمتها وباتت اتجاهات السوق العالمي اكثر حيطة في التعامل مع الوضع الجديد الذي يبدو انه سيستمر مدة اطول مما كان متوقعا، انعكس هذا الأمر على اكبر شركات النفط في العالم حيث اعلنت شركات «بي بي» و»شل» و»توتال» خفض مشروعات الربحية لديها بناء على سعر البرميل الى اسعار توازي اسعار السوق السائدة، بل ان «شل» التي وضعت توقعاتها بأسعار تتراوح بين 70 و110 دولارات للبرميل بنت خطة الربحية لديها عند 50 دولارا فقط للبرميل، فضلاً عن خطط صارمة لخفض النفقات الخاصة بالتنقيب والمشروعات، إلى جانب تسريحها آلاف الموظفين.

خيبة توقعات

هذا العام من التدهور في الاسعار خيب توقعات المراهنين على سرعة خروج النفط الصخري من المنافسة مع النفط التقليدي وفقا لقاعدة ان هبوط الاسعار سيجعل انتاج الصخري غير مجد نظرا لكلفة استخراجه العالية، في حين ان الواقع يحدثنا بأمر آخر مغاير تماما، وهو ان الشركات العاملة في النفط الصخري لا تزال موجودة في السوق وتستطيع تحمل الخسائر التي يمكن ان تسجلها في 2015 لانها تراهن بشكل كبير على التكنولوجيا المخفضة لتكاليف انتاج النفوط غير التقليدية.

 وفي هذا الصدد يشير رئيس شركة النفط الأميركية «كونوكو فيليبس» ريان لانس الى ان طفرة النفط الصخري الأميركي ستظل باقية رغم انخفاض أسعار الخام حيث سيتيح التقدم التكنولوجي خفض التكلفة بشكل كبير، مؤكدا أن التكاليف التي تحقق نقطة التعادل للنفط الصخري تراجعت بنسبة تتراوح بين 15 في المئة و30 في المئة في الأشهر الماضية وقد تنخفض من 15 في المئة إلى 20 في المئة أخرى بحلول عام 2020.

بالطبع فإن كلفة استخراج النفط الصخري تتنوع حسب المناطق، إذ نراها في منطقة تصل الى 80 دولاراً للبرميل، وفي منطقة اخرى 40 دولاراً، وبالتالي ففكرة أن انخفاض الأسعار سيزيح النفط الصخري من السوق كليا بحاجة الى اعادة تقييم.

وبالنسبة لدول «اوبك»، وخصوصا الخليجية منها، فإن ارتفاع اسعار النفط سينعش ميزانياتها ويدعم بدرجة اقل «الصخري» ليستحوذ على ما يوازي 8 في المئة من حجم السوق، اما انخفاض اسعار النفط فسيرهق ميزانياتها المتضخمة بشكل اكبر من ارهاق شركات «الصخري» التي تعمل بمثابرة على خفض كلفة الانتاج، إضافة إلى قدرتها السريعة على تقليص المصروفات وضبط النفقات.

سوق ضعيف

والحديث عن الأسعار يرتبط بالضرورة بمنظمة «أوبك» التي يبدو انها حتى الآن تولي الاولويات السياسية، كالضغط على روسيا وايران، دوراً اهم من دورها الاصلي الخاص بضبط السوق، وفقا لآليات العرض والطلب في سوق يعاني فائضاً في الانتاج وضعفاً في قوى السوق ناتجاً عن تباطؤ النمو في الصين اكبر مستهلك للطاقة في العالم وسياسات التقشف الاوروبية، فضلا عن نمو المخزون الاميركي وارتفاع سعر صرف الدولار، وهذه العوامل في معظمها لا تصب في صالح دول اوبك، الامر الذي افرز انقساما داخل المنظمة، فبينما تعمل الجزائر وفنزويلا والعائدة للإنتاج مجدداً إيران على الترتيب لخفض الانتاج نجد دول الخليج ترفض اي خفض في انتاج المنظمة.

والسؤال المطروح في سوق النفط اليوم هو: هل فشلت «اوبك» في تحقيق اهدافها من رفض خفض الانتاج؟

رفض «اوبك» خفض الانتاج مرتين خلال هذا العام جاء مدعوما بموقف خليجي يستهدف، حسب ما هو معلن، الحد من عدم التزام العديد من الدول الأخرى في المنظمة بقرارات سابقة لخفض الانتاج، مما يؤدي الى خفض حصة الملتزمين في السوق، فضلاً عن اخراج المنافسين غير التقليديين «الصخري» من اي منافسة مستقبلية، وهي فرضيات لم تحقق نتائجها لدول تعتمد على النفط في انفاقها بنسب عالية جدا تتراوح بين 80 و93 في المئة، فسجلت العجوزات المالية، وبدأت في الاستدانة لتمويل العجز المالي دون ان تحقق اغراضها من عدم خفض الانتاج في سوق يعاني وفرة المعروض.

إصلاح مالي

وإذا كان في انخفاض اسعار النفط فرصة للكويت ودول الخليج، فهي ليست لاستخدمها لضغط سياسي او لتنحية منتجين اخرين او ازاحة نفوط غير تقليدية، بل لاتخاذ اجراءات عاجلة تستهدف تقليل الاعتماد على النفط في الميزانية والاقتصاد وزيادة حجم الإيرادات غير النفطية من إجمالي الإيرادات، والأهم على المديين المتوسط والطويل، العمل على تنويع الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات وتوفير فرص عمل خارج القطاع الحكومي، فالوفرة والفوائض التي تحققت منذ عام 2000 يبدو أنها لن تكون متاحة لا المدى القريب ولا حتى المتوسط، وبالتالي لابد من قرارات جدية نتخذها اليوم في وضع مريح افضل من اتخاذها في أوضاع صعبة.