صدمة مالية في العراق تهدد بوضعه تحت الوصاية... والفوضى
بدا للحظةٍ في أواخر عام 2014 أن الأكراد والسُّنة العراقيين سيعانون متاعب اقتصادية جمة، بينما سيحتفظ الشيعة بالسلطة والمال، حيث قامت بغداد بمعاقبة إقليمها الكردي بقطع حصته من الموازنات، كما طرد تنظيم «داعش» مليونَي سني من مدنهم وحقولهم ومصالحهم، وحولهم إلى نازحين لا تصل إليهم المعونات المالية إلا مرة كل بضعة أشهر.لكن النخبة الشيعية تدق جرس الإنذار هذه الأيام، لتحذر من انهيار مالي وشيك يدفع ثمنه الشيعة هذه المرة، لا بسبب انهيار أسعار النفط فحسب، بل لأن الاحتياطي النقدي يتعرض للتآكل.
ومنذ وصوله إلى السلطة أعرب رئيس الوزراء حيدر العبادي، عن صدمته لهبوط أسعار النفط «في توقيت سيئ جداً»، إذ تزامن ذلك مع اندلاع أكبر المواجهات مع تنظيم «داعش»، معلناً أكثر من مرة أنه يشعر بالصدمة حين يطلّع على فاتورة الحرب، حيث يصل سعر «قذيفة حرارية» واحدة أحياناً إلى 50 ألف دولار.وتشير بعض الحسابات إلى أن العراق، لأول مرة منذ سقوط صدام حسين، يواجه عجزاً في ميزانيته يصل إلى 50 في المئة، ولم تعد مشاريع البناء مهمة، لأن الحكومة تحاول فقط تدبير مرتبات نحو 5 ملايين موظف حكومي في بلد لا يسهم القطاع الخاص بدور مهم في اقتصاده. ويحذر ساسة وخبراء محليون من عجز بغداد عن دفع مرتبات الموظفين خلال ثلاثة أو أربعة أشهر من الآن، لكن بعض المعلومات تشير إلى ما هو أسوأ، إذ تذكر مصادر أجنبية ومحلية أن الحكومة عجزت بالفعل عن دفع المرتبات وضمان مدفوعات العتاد والسلاح المتزايدة، وقد عالج العبادي ذلك بطريقة تنطوي على مغامرة بحسب ما يتداول الآن، إذ يمتلك العراق نحو 70 مليار دولار كاحتياطي نقدي نجح في توفير استقرار للدينار المحلي منذ 2006، لكن هذا المبلغ بدأ يتآكل، كما تؤكد معلومات مصرفية غربية وخبراء محليون.والتحليل الشائع هو أن الحكومة بدأت تسحب من الاحتياطي النقدي «لتمشية» مرتبات الموظفين وفواتير السلاح، ما يمكن أن يفسر اختفاء نحو 20 مليار دولار من ذلك المبلغ في غضون شهرين، فضلاً عن وجود بيانات غير مؤكدة تتحدث عن تراجع أكبر بضعف ذلك.ويحاول العبادي طمأنة الجمهور إلى أن الأمر لن يصل إلى كارثة، بينما يتهمه خصومه بأنه لا ينصت إلا إلى فريق ضيق قام بتوريطه بسحب مبالغ كبيرة من الاحتياطي النقدي، ما سيؤدي مطلع العام المقبل إلى صدمة محتملة في السوق قد تُفقد الدينار العراقي نحو 40 في المئة من قيمته، وسط احتجاجات شعبية غاضبة ستتصاعد إذا حصل ذلك، ويمكن أن تتحول إلى فوضى تستغلها كل الفصائل المعارضة للحكومة، بما فيها المقربة من طهران.أما الخيارات المطروحة لمعالجة الكارثة الوشيكة، مع استبعاد حصول تحسن في سوق النفط، فكلها تعني أن بغداد ستقدم تنازلات كبيرة لإيران أو للغرب. والشركات الغربية العملاقة متورطة عملياً في استثمار نحو 100 مليار دولار في حقول البصرة بنحو خاص، ولم تتسلم حصتها من عوائد البترول منذ أشهر، وقد تضطر لمساعدة بغداد بهدف تجاوز الأزمة، كما أن بغداد تتفاوض لاقتراض مبالغ كبيرة من مصارف عالمية، أولها نحو 6 مليارات دولار بفائدة وصفت بأنها مرتفعة جداً، ويحذر مراقبون من أن الحكومة قد تجد نفسها خاضعة لمطالب بلا نهاية من عمالقة البترول والمصارف الدولية، ما يعيد العراق عملياً «تحت الوصاية» لقوى غربية، وهو الذي لم يكد يهنأ بخروجه عام 2013 من الوصاية الدولية وأحكام الفصل السابع التي خضع لها نظام صدام حسين إثر غزوه الكويت قبل ربع قرن.