شاءت الأقدار أن ألتقي النجم الكبير نور الشريف في شهر ديسمبر من العام الماضي، في صالة كبار الزوار بمطار دبي الدولي، حيث ذهبت لحضور فعاليات الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي، وكان هناك، رغم متاعبه الصحية، وآلامه التي تنهش فيه بقسوة، ليشارك بفيلمه الأحدث «بتوقيت القاهرة» في برنامج «ليال عربية»، وقوبل الفيلم باستحسان جماهيري ونقدي كبيرين كانا سببا في ارتفاع روحه المعنوية بدرجة ملحوظة.

Ad

لم نكن نقيم في فندق واحد، لكن كان يجمع بيننا المطعم المخصص لإفطار ضيوف المهرجان، وكنت أتابع حرص جميع المشتغلين بصناعة السينما العربية، من ممثلين ومخرجين ونقاد وصحافيين، على حجز أماكن يومية على مائدة النجم نور الشريف، أو التقاط صور فوتوغرافية معه، على أقل تقدير، غير أنني توقفت طويلاً عند طقس يومي اعتاده النجم الكبير صبيحة كل يوم، يتمثل في قيامه بتوزيع كتاب على ضيوفه، ومريديه، وبفطنته، وحدسه الذي لا يخيب، لمحني ذات صباح، وأدرك أنني في حيرة من أمره وطقسه، فبادرني قائلاً: «هذا الكتاب عزيز إلى قلبي».

كنت أملك في مكتبتي نسخة من هذا الكتاب الذي حمل عنوان «نور الشريف...

مشوار في طريق الفن والفكر والسياسة»، ويتصدره إهداء كتبه النجم الكبير بقلمه يقول: «مشوار طويل جمعنا سوياً في عالم الإبداع والصحافة وكان لقاء العريش في أسبوع الأصالة آخر خطوة منه ولن تكون الأخيرة بإذن الله مع شكري الجزيل» وتعود قصة الكتاب إلى ربيع العام 2001 عندما قررت إدارة مهرجان يحمل اسم «أصالة»، ويُقام بمدينة العريش المصرية (عاصمة محافظة شمال سيناء الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط)، تكريم النجم الكبير نور الشريف، ومع الأفلام التي عُرضت في إطار تكريمه صدر الكتاب الذي قام بإعداده الناقد دسوقي سعيد صاحب فكرة المهرجان، ومديره، فيما تولى تقديمه

أ.د. فوزي فهمي رئيس أكاديمية الفنون وقتها.

عقب صدمتي في وفاة النجم الكبير بحثت عن «نور الشريف...

 مشوار في طريق الفن والفكر والسياسة» في مكتبتي، وكانت فرحتي طاغية عندما عثرت عليه، إذ أدركت لماذا تكبد النجم الكبير مشقة أن يحمل على كاهله هذا العدد الضخم من النسخ ليتولى توزيعها في دبي، ولماذا اختار أن يفعل هذا في آخر مهرجان شارك فيه؟

يقع الكتاب في 184 صفحة باللغة العربية بالإضافة إلى عشر صفحات باللغة الإنكليزية تم تخصيصها لضيوف المهرجان الذي كان مزمعاً أن يُصبح دولياً، فضلاَ عن ملحق ضم صور نادرة للنجم الكبير مع الأديب الإيطالي الشهير ألبرتو مورافيا، الأديب الكبير توفيق الحكيم (أثناء تصوير فيلم «عصفور الشرق») وصورة له وهو يجري حواراً إذاعياً مع الفنان القدير صلاح منصور وأخرى مع ابنته سارة لحظة ولادتها في العام 1976 كما اشتمل الكتاب على النبذة التي سيقت في التعريف بالممثل المصري نور الشريف في القاموس الفرنسي الشهير «لاروس»، وفيلموجرافيا كاملة تقف عند العام 2000 الذي أنجز فيه فيلم «العاشقان»، بالإضافة إلى إحصائية بالمخرجين الذين تعاون معهم والممثلات اللاتي وقفن أمامه والأفلام التي أنتجتها شركته والجوائز التي حصل عليها طوال مشواره.

كعادة كتب السيرة الذاتية يحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان «بدايات»، وفيه يروي نور الشريف على لسانه عن سنوات طفولته، وعن أبيه الذي رحل عن الدنيا بعد أن أنجبه بعام واحد، وأمه التي تركته «لكن إلى رجل آخر حل محل أبي في حياتها»،  وعاش اليتم مع شقيقته عواطف التي تكبره بعدة أعوام، واقترابه من عمه «إسماعيل»، الذي تجسدت فيه صفات الرجولة والشهامة، وكان يُعيد التذكير دائماً بأنه يستعيده في كل مرة يجسد فيها على الشاشة شخصية ابن البلد.. الجدع.

انفرد الكتاب أيضاً بالحديث عن تجربة نور الشريف في الكتابة الصحافية تحت عنوان «من قلبي وعقلي»، ومشاركته الكاتبة الصحافية نعم الباز في إجراء حوارات مع الشيخ أحمد حسن الباقوري والأديب نجيب محفوظ، وقيامه منفرداً بمحاورة الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل، ونشر نماذج من هذه المقالات والحوارات، كما خصص الكتاب فصلاً للحوارات الصحافية التي أجريت معه، ومقتطفات من المقالات النقدية التي تناولته، وآخر يكشف موقفه السياسي، وأزمته مع «ناجي العلي»، وعلاقته بالمسرح والتليفزيون واستئثار السينما بحياته، رغم تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية، ودوره في دعم صناعة السينما المصرية، ومناهضته لتخريبها، من خلال بيع التراث والأصول، أو هدم دور العرض، بالإضافة إلى سن القوانين الفاسدة، ودعوته إلى دراسة فكرة دخول التليفزيون كشريك في الإنتاج السينمائي، ومراجعة نظام المنتج المنفذ.