أيهما أهم أن تجد من يحبك، أم تجد من يفهمك؟!

Ad

إن من يحبّك حقاً سيحرص حتماً على أن يفهمك، أما من يفهمك لن يحرص بالضرورة على أن يحبك!

الحب شرطُه الفهم كما قال إيليا أبو ماضي: "لن يحب المرء حتى يفهما"، إلا أن الحب ليس شرطاً للفهم!

من يحبّك سيفصّل مقاس فهمه على قدر الحب، من يفهمك سيفصّل مقاس حبّه على قدر الفهم! من يحبك يغفر خطاياك، من يفهمك يبرر أخطاءك!

الحب مفتاح الفهم، بينما الفهم أحياناً مزلاج باب كبير في وجه الحب!

ذلك لا ينطبق على الإنسان وحده، بل على كل ما يبعث الحياة... في الحياة!

الفن، والشعر، والموسيقى، وهدايا السماء، وضحكات الأطفال التي توشي رداء الصباح، أو تجمّل رداءته، ومظلة الأصدقاء، وأمان الأحبة،... إلخ، كل هذا لن نفهمه حتى نحبّه، ولن يكون بإمكاننا أن نمنحه قدره من الحب حتى نفهمه!

لن يستقر الحب بيننا وبين كل ما هو جميل في الحياة، ما لم تجد قلوبنا لغة للفهم مشتركة بيننا وبينه، ولكن قد يستقر فهمنا لشيء ما دون أن نحبّه.

يمكن فصل الحب عن الفهم، إلا أن الحب الذي ينقصه الفهم حب... سيبقى ما عاش خديجاً معرضاً للموت في كل لحظة!

يسهل عزل الجزء عن الكل، ويستحيل عزل الكل من الجزء!

الذين أخّروا كعب الحب... يَفهمون، أما الذين أخّروا كعب الفهم يُحبون.

ليس صحيحاً تماماً أن الحب ألاّ تعرف شيئاً، كما قال مظفر النواب، فالمعرفة سبيلنا إلى الفهم، والفهم شرط الحب، إلا إذا كان النواب يقصد أن المحب في الحب قابل إلى هذا الحد لفهم من يحب، وكأنما يقدّم نفسه لمن يحبه ببطاقة صغيرة تقول: "أنا صفحتك البيضاء فاملأ بياضها بما تشاء، أنا لا أعرف ولا أفهم شيئاً فالصواب ما تراه والخطأ ما تعتقده".

بطاقة تحمل كلاماً كهذا أو تنقل معناه، ليست على الإطلاق نفياً للفهم، بل استعداد نقي وتقي له!

بطاقة كهذه ليست أقل من وثيقة إيمان تقترب من إيمان الأنبياء برسالاتهم، وأقل قداسة بقليل من روح إسماعيل التي قدمها لأبيه، عليهما السلام، إيماناً برسالته.

لم يكن لإسماعيل أن يصل لهذا القدر من الإيمان لو لم يكن يحمل الحب والفهم معاً لتلك الرسالة! هنا يرتقي الحب من كونه حبّا فيصبح إيماناً.

فلن نصل للإيمان بما نحب إلا بجناحي الحب والفهم لما نحب، ذلك الإيمان الذي يجعلك تمنح الآخر وأنت بكامل عقلك صلاحية أن يشكّل فهمك كما يريد، ويكتب ما يشاء في صفحة عقلك ويمسح ما يشاء.

وأظن أن هذا المعنى الأقرب لفهم جملة "الحب ألا تعرف شيئاً"، وأقرب أيضاً لسماوات النواب، فحياة النواب بمجملها مُحاكة من صوف حبه لما يعتقده، فكثير من سنوات حياته التي دفعها ثمناً لفكره، لم تكن نضالاً عقائدياً فحسب، بل جنون هوى يقرب الإيمان أيضا!

مما يعيدنا إلى مقولة أبي ماضي التي تقول: "لن يحب المرء حتى يفهما"، ويعيدنا أيضاً إلى سؤالنا الذي ابتدأنا به:

 أيهما أهم: أن تجد من يحبك، أم تجد من يفهمك؟!

إن مجرد طرحنا للسؤال يشككنا في إيماننا بهما معاً!