ولاد رزق!

نشر في 10-08-2015
آخر تحديث 10-08-2015 | 00:01
 مجدي الطيب جنباً إلى جنب مع الصناعات الثقيلة التي تمثل عصب الاقتصاد في الولايات المتحدة الأميركية، تحتل صناعة السينما مكانة كبيرة، لما تمثله من أهمية استراتيجية. حتى إنهم يُطلقون عليها مع التلفزيون، الفيديو، الموسيقى وألعاب الإنترنت «صناعة الترفيه والتسلية»!

بالطبع تُدرك وكالة المخابرات المركزية الأميركية C.I.A أهمية السينما كسلاح فاعل في دعم السياسة الخارجية الأميركية، وتحسين صورتها أو تجميل وجهها القبيح، لكن مثلما تؤدي {صناعة الترفيه} دوراً ترويجياً فإن أحداً، في أميركا وغيرها من دول العالم، لا يملك تجاهل دورها الترويحي، وهدفها الرئيس كأداة لإمتاع المواطن، والتسرية عنه.

مقدمة مهمة للحديث عن فيلم {ولاد رزق}، الذي عاب عليه البعض أنه لا يتبنى رسالة، ويخلو من المضمون، ويعاقب الضابط المخول بتطبيق القانون في حين يحتفي بالأشرار، ويتركهم مطلقي السراح، وهو جدل يحدث في مصر وحدها من دون دول العالم التي تقيس نجاح الفيلم بمدى قدرته على توفير المتعة والتسلية للجمهور، ولا تجره، وأصحابه، إلى المقصلة في حال لم يتبن {رسالة} أو يُمرر {عظة}!

منذ اللحظة الأولى في فيلم {ولاد رزق}، الذي يُصنف بأنه فيلم إثارة وتشويق Thriller، يوظف المخرج طارق العريان اللقطة العامة التي يرصد من خلالها المساكن العشوائية ليعطي إيحاءً بأنها مأوى لفئران أطلق عليهم {ولاد رزق}، فالابن الأكبر {رضا} (أحمد عز) أجهز على والده، لأنه ضاق ذرعاً بالعمل معه في ورشته مقابل حفنة قليلة من الجنيهات، ولما شعر أن المسؤولية كبيرة، والحمل ثقيل، تزعم عصابة للنهب والسرقة اقتصرت على أشقائه الثلاثة: {ربيع} (عمرو يوسف) {رجب} (أحمد داوود) {رمضان} (كريم قاسم)، بعد أن أخذ عليهم عهداً ألا يتاجروا في السلاح والمخدرات، وألا يغدر أحدهم بالآخر!

ثمة تعريف للفيلم الـSuspese  بأنه: {الذي يُحقق نجاحاً في إخفاء بعض الحقائق والأحداث تم الكشف عنها تدريجاً وبأكثر الطرق مهارة}، وفي هذه الجزئية حقق {العريان}، ومعه كاتب السيناريو صلاح الجهيني، نجاحاً منقطع النظير أكبر الظن أنه سيجبرنا، والنقاد الذين يكتبون عن الفيلم، إلى التعاطف معهما، وعدم الإشارة إلى الخدعة التي قام عليها الفيلم، وكان بطلها أحمد الفيشاوي. فإثارة {ولاد رزق} الحقيقية تكمن في هذه الخدعة، وفي السرد الذي جر المشاهد إلى منطقة التوقعات ثم فاجأه، في واحدة من المرات النادرة في السينما المصرية، بأمر لم يتوقعه أو يخطر على باله!

الحقيقة المهمة التي أكدها طارق العريان، منذ فيلمه الأول {الإمبراطور} (1990)، ويُعيد تذكيرنا بها مع كل فيلم جديد أن {الفيلم الترفيهي ليس الفيلم التافه}، ومثلما امتلك أدواته، كالتصوير (مازن المتجول)، المونتاج (أحمد حمدي)، الإشراف فني والديكور (محمد عطية)، الموسيقى (هشام نزيه) والستايلست (ريهام عصام)، لم يترك نفسه، والسيناريو، لتنميط من أي نوع، واتسم الحوار بواقعية أخاذة، طرافة ملحوظة، وسخرية محببة، كالحديث عن {نكاح الوداع}، وتأصيل أسباب قيام ثورة 25 يناير، والاستعانة ببرنامج تلفزيوني شهير للإشارة إلى زمن الفيلم من دون ثرثرة أو مباشرة.

صحيح أن الأجواء التي خيمت على مشاهد الملهى الليلي أعادت إلى الأذهان أجواء فيلم {الباشا} للمخرج نفسه، لكن الجرأة هنا كانت أقوى، والموقف أكثر حدة، لأن {العريان} نجح من خلال الديكور والإضاءة والقطعات السريعة، وإبهار الصورة في الإيحاء بأننا حيال عوالم سفلية، ودهاليز سرية، ومافيا مشبوهة تُدير شبكات دعارة، وتبييض أموال، تعمل في الظلام لكن عملها تحت الأرض، لا يعني أنها مجهولة لأولي الأمر!  

بالطبع لم تكن توبة {رضا} مقنعة، ورجَّح الجمهور أنه سيتراجع عنها، وهو ما فعله بغض النظر عن المبرر الذي ساقه السيناريو. لكن هذا التراجع منح الفيلم مصداقية، وأكَّد مجدداً أن الشخصيات التي نراها على الشاشة بشر من لحم ودم، وأن {الرجوع إلى الحق ليس فضيلة دائماً}، كما أن {الجريمة تفيد أحياناً}، و{الشر قد ينتصر في النهاية}، وهي الرسائل التي تبناها فيلم {ولاد رزق}، وكانت سبباً في الصدمة التي أصابت البعض فكان الهجوم على الفيلم بحجة أنه قبيح يشيع الفاحشة بين الناس، ويحض على الفسق والرذيلة، بينما يستحق، في رأيي، الثناء لأنه تمرد على {الكليشيهات} التقليدية، ونبذ الرسائل الأخلاقية المعتادة، كذلك قدم الواقع بصورته الراهنة، التي يتأذى منها البعض، ويأبى رؤيتها على الشاشة. وباستثناء سيد رجب، الذي تعامل مع شخصية زعيم العصابة {صقر} بشيء من اللامبالاة والسطحية، كشف المخرج طارق العريان عن إمكانات جديدة، وطاقات تنتظر من يُطلقها لدى: محمد ممدوح، أحمد الفيشاوي وأحمد داوود، بينما غلب الأداء التقليدي على: أحمد عز، عمرو يوسف، كريم قاسم ونسرين أمين. وإمعاناً في الكيد للمحافظين والكلاسيكيين أنهى الفيلم بالبطل، وهو ينكص العهد، ويفكر في العودة للجريمة! 

back to top