يتندر المستثمرون الصينيون بتسمية البنك المركزي في بلادهم "ماما المركزية"، وقد وجهوا لها الشكر في الآونة الأخيرة على إظهار قدر قليل من الحب عبر خفض معدلات الفائدة إضافة إلى تقليص متطلبات الاحتياطي في البنوك، وقد أفضى خفض معدلات الفائدة– وهو الرابع منذ شهر نوفمبر الماضي– إلى بلوغ معدلات الأساس في الإقراض لعام واحد 4.85 في المئة وهو مستوى قياسي في التدني بالنسبة إلى الصين.
ويأمل المقامرون أن يفضي هذا القرار الى إنقاذ سوق الأسهم من مزيد من التردي والتدهور، وبعد أن تصدرت أسهم الصين العالم طوال معظم العام الماضي دخلت خلال الأسبوعين الماضيين في حالة سقوط حر، وهبطت بنسبة 19 في المئة، ولو أن البنك المركزي الصيني لم يفعل شيئاً إزاء الأوضاع المستجدة لتفاقمت الأحوال بشدة بالغة بكل تأكيد، والسؤال هو: هل كانت هذه الإجراءات من جانب البنك المركزي الصيني إشارة "يأس"؟ وعلى الرغم من إطلاق البعض هذه السمة عليها فإن التيسير الذي أعلنته بكين هو أكثر تقويماً من ذلك.من جهة أخرى يعتبر خفض نسب الاحتياطيات المطلوبة معتدلاً في المقاييس الحديثة، وفي العشرين من شهر أبريل الماضي قلص بنك الشعب الصيني نسب الاحتياطيات المطلوبة لجميع البنوك بـ1 في المئة، ووفر لتلك البنوك المزيد من المبالغ النقدية من أجل استخدامها في عمليات الإقراض، ويماثل هذا الإجراء عملية ضخ 1.3 تريليون يوان (210 مليارات دولار) في النظام المالي، وفي هذه المرة اقتصر خفض نسب الاحتياطيات المطلوبة على البنوك الصغيرة فقط، مثل البنوك التجارية الريفية وبنسبة نصف نقطة مئوية لا غير، ووفقاً للتنفيذ فإن تلك الخطوة ستفضي إلى إضافة نحو 100 مليار يوان للنظام المالي.ولعل ما هو أكثر من ذلك أن البنك المركزي الصيني قد حرص بشكل استثنائي على التشديد على أنه لا يرى مشكلة في ظروف وأوضاع السيولة الحالية، وقال البنك المركزي إن مستوى المبالغ النقدية في النظام المالي يتسم "بوفرة تامة" في الوقت الراهن، مشيراً إلى وجود فائض يبلغ 3 تريليونات يوان في احتياطي البنوك إضافة إلى أن معدلات الفائدة لليلة واحدة تبلغ نحو1 في المئة فقط، وهي تقارب المستويات المتدنية التاريخية، وتجدر الإشارة إلى أن خفض نسب الاحتياطيات المطلوبة لدى البنوك بهذه الطريقة يبدو مثل بادرة تهدف بشكل أقرب إلى طمأنة السوق منها إلى تيسير مدفوع بالذعر والقلق.وفي ما يتعلق بخفض معدلات الفائدة فإن من الأهمية بمكان أن نتذكر أن معدلات الفائدة تلعب في حد ذاتها دوراً محدوداً نسبياً في السياسة النقدية الصينية؛ لأن الجهات التنظيمية لا تزال تسيطر على كمية الائتمان في النظام المالي من خلال مخصصات إقراض غير رسمية، وهكذا فإن خفض معدلات الفائدة سيساعد على خفض تكلفة الائتمان بالنسبة إلى المقترضين لكنه لا يدعم نمو الائتمان كما هي الحالة النموذجية في الدول المتقدمة. وفي حقيقة الأمر فإن البنك المركزي الصيني قال إن السبب الرئيسي وراء قراره خفض معدلات الفائدة يكمن في خفض تكلفة التمويل بالنسبة إلى الشركات، وتجدر الإشارة إلى أن التضخم المتدني يعني أن معدلات الإقراض الحقيقية ظلت عالية بصورة ثابتة مما يستدعي تحقيق خفض.وسيكون من قبيل التضليل وصف التيسير الذي صدر عن البنك المركزي الصيني بردة فعل تتسم بالإذعان إزاء الهبوط في سوق الأسهم، وفيما لا يريد البنك المركزي بكل تأكيد أن يشهد انهياراً في قيمة الأسهم فإن موجة الغضب في السوق المضارب حتى الأسبوعين الماضيين قد جعلت أنشطة الأداء فيه أكثر صعوبة، وعندما أظهرت المعلومات في وقت سابق من شهر يونيو أن الاستثمارات لا تزال متعثرة أحجم البنك المركزي عن المزيد من التيسير نتيجة الحذر على ما يبدو من تخزين زيادة في المضاربة في الأسهم، وقد أعطى التصحيح في سوق الأسهم إلى ذلك السوق فرصة إضافية للعمل والأداء، ومع الطبيعة المحدودة لخفض نسب الاحتياطيات المطلوبة فإن الانطباع هو أن الغاية هي دعم الاقتصاد من دون إذكاء موجة الاندفاع نحو الأسهم.
مقالات
قليل من الحب من «ماما المركزية»
04-07-2015