بذات الصخب الذي ترافق مع حياته، كانت مغادرة الصديق نبيل الفضل، رحمه الله، لدنيانا الزائلة.
الحق يقول "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" صدق الله العظيم.إرادة الخالق لم تشأ أن يقضي (نبيل) نحبه وهو على مصطبة أدق وأخطر العمليات التي أجريت له في غرفها المغلقة، ولا أن يصعقه على حين غرّة غول مرض السكري الذي ظل يفتك بجسده عشرات السنين، وهو جالس في مكتبه أو بيته مثلاً، بل شاءت إرادة الله أن تتلاءم نهاية (بوبراك) مع أسلوب حياته الصاخب ليلقى حتفه في محراب العمل الوطني الذي اختاره، وهو النيابة عن الأمة، وألا تفصل آخر كلماته عن نهاية حياته سوى دقائق معدودة لتصبح كالوصيّة، وليكون ضجيج مماته مسموعاً ومشاهداً ومنقولاً على الملأ كلّه، بأكثر من ضجيج حياته، ويلاقي ربّه في قاعة الدرس الوطني التي اختارها كآخر ملاعبه النشيطة.ملأ دنياه وشغل ناسه كغيره من الطلائع المؤثرة، ووقف دون رأيه في الحياة مجاهداً، كما قال شوقي، فصارت حياتُهُ عقيدةً وجهاداً.عرفته طويلاً واختلفت معه كثيراً، فصلتي به تعود إلى مطلع السبعينيات كزميلَي عمل في الخطوط الجوية الكويتية ثم صديقَي حياة، وكان طياراً متميزاً ومقداماً، مثلما كان منشغلاً ومتعمقاً في الشأن العام والسياسي والفني والثقافي والأدبي، وذا رأي جريء في كل ما يعتقده خطراً على الكويت، كياناً وشعباً ونظاماً، كان متفجراً في طروحاته، لاسيما بعد أن غادر مهنة التحليق في السماء، ليحلق في ميادين التجارة والإعلام والسياسة، ويصبح أحد البارزين في الأخيرَين.(نبيل) كان يتحدث ويكتب كما يفكر، ولا يفرق بين ظرف وآخر ومكان وغيره، ولم يكُ مقتنعاً بما كنا ننصحه كأصدقاء له بأن "لكل مقام مقالاً"، حيث كان يرى أنه سيخالف ذاته إن تحدث أو كتب بغير ما يفكر فيه، ولا يستطيع في ما يعتقده حقاً أن ينافق ظرفاً أو زماناً أو مكاناً.لم يقنعنا، ولكنه أقنع قواعده الانتخابية التي حملته في ثلاث جولات إلى مقاعد التمثيل النيابي في مجلس الأمّة، وكانت تلك المفازات هي صكوك رضاهم عنه وعن قناعاته وتوجهاته وأسلوبه في التعبير بغض النظر عن تأييد أو اختلاف بعض أصدقائه أو خصومه معه.خاض معاركه في كل الجبهات ولم يفرق في هجماته الاستباقية والمضادة بين خصومه، سواء من أبناء الأسرة الحاكمة أو زعامات القوى السياسية أو كتاب الصحافة ونمور الإعلام ورجال السياسة الرسميين والشعبيين بالداخل والخارج، متمترساً بحبّه للكويت ورفضه احتكار حبها من طرف دون آخر، ومدافعاً عن قناعاته، ومعبراً عنها بالصوت العالي واللفظ الجارح في أغلب الأحيان، محاكياً بذلك أسلحة خصومه، غير آبهٍ بردّات فعلهم، وهجماتهم المضادة، حيث حمل كفنه على كفّه وتكسرت من حوله النصالُ على النصالِ، وأصبح زائراً متكرراً في أروقة القضاء دون جزع، بل حمل لواء ضرورة رفع الحصانة عنه كنائب لتمكين الغير من التقاضي معه دون الاختباء خلف أستارها.حين أصبح نائباً، أدهشنا بفصل سلوكه في الكتابة والخطابة عن أسلوبه في الأداء داخل البرلمان، حيث اتسم بالهدوء والاتزان والرجاحة والإتقان لوظيفته النيابية، لأنه هنا، كما قال، يعبر عن الأمة ويمثلها ولا يمثل نفسه، فأصبح من أبرز النواب من خلال البرلمانات التي كان عضواً فيها، وتعامل من خلال عضويته في المجلس المبطل الأول، تعاملاً موضوعياً لافتاً، وهو محاط بعناصر الأغلبية البرلمانية الشديدة المراس والتي تحكّمت في ذلك البرلمان، فكانت تلك المرحلة من أثرى تجاربه السياسية.سوف يقال الكثير من قِبل المحبين والكارهين للمرحوم (نبيل الفضل) النائب والكاتب والإعلامي والإنسان المرهف الإحساس، المتذوق للفنون وجماليات الحياة، والمحسن المتصدق على المحتاجين بصمت ودون أن تعلم شماله ما أنفقت يمينه، وسيبقى حسابه عند بارئه علّام السرائر في حين تقاطرت عليه بعد مماته الهجمات الظالمة من بعض خصومه دون مراعاة لحرمة الموت وفروسية الاختلاف.رحمك الله يا (أبا برّاك) وطيّب ثراك، فوطنك قد فقد برحيلك فارساً مدافعاً صلباً، قضيت نحبك في حياضه، وكان رحيلك (نبيلاً) وموثّقاً في مضبطة برلمان الكويت التي عشقت.والعزاء لأهلك وأبنائك وربعك ومحبيك...والدوام لله وحده.
أخر كلام
6/6 رحيلٌ نبيل
25-12-2015