لم تعد أهداف التدخل الروسي في سورية عصية على الفهم أو عن المتابعة. فالهجوم البري الذي تحدث عنه كثيرون رسمت أهدافه ميدانياً، في ظل محاولات تحليلية للتكهن لا بمستقبل سورية فحسب بل المنطقة بأسرها.
في المقابل، حفلت وسائل الإعلام الأميركية بعدد من الكتابات لتوضيح موقف إدارة الرئيس باراك أوباما من هذا التطور، مجمعة على أن ما يجري اليوم هو بداية رسم خريطة عديد من دول المنطقة، على أنقاض خريطة «سايكس بيكو» الشهيرة، في معزل عن التسمية التي ستطلق لاحقاً عليها.البعض يرى أن «المغامرة» الروسية في سورية قد تكون ضرورية لإخراج تلك العملية من عنق الزجاجة، وخصوصاً أن موسكو تسعى إلى حجز حصة وازنة لها في «كعكة» تلك التسويات.أولى النتائج، التي ظهرت ملامحها على أرض المعركة، تتمثل في تراجع الدور الإيراني، وتحوله طرفاً تابعاً أمام الدور الروسي الذي سيتحول من اليوم فصاعداً المرجعية الفعلية لهذا المحور، بعدما ظهر جلياً أن أدواته الأولى فشلت في انتزاع أي انتصار يتناسب مع التضحيات والكلفة التي دفعها طوال أربعة أعوام ونصف العام من الأزمة السورية.وتطرح أسئلة عن البعد الاستراتيجي لهذا التدخل الروسي، وهل يعبر عن «جنون» ما، أم أنه قد يفتح نافذة على حلول لا يمكن تحقيقها في معزل عن المرجعية الأميركية التي اختارت عدم التورط في هذا المستنقع منذ اليوم الأول لاندلاع انتفاضات الربيع العربي؟فالرئيس الروسي، الذي لم يفلح في جر الغرب للقبول بشروطه في الصراع على أوكرانيا، لم يكن أمامه إلا التدخل في سورية للخروج من الـ»ستاتيكو» المنغلق عليه هناك، وخصوصاً أنه يلعب ورقة الأقليات، مدعياً الدفاع عنها في مواجهة خصمين كبيرين يمثلهما السنّة والشيعة.وكان لافتاً صدور كتابات روسية غير موقعة تدعو إلى البحث جدياً في بديل عن الأسد من المؤسسة العسكرية السورية، إذا كان لمستقبل التدخل الروسي أن ينجح في إحداث تحول في المشهدين السياسي والميداني.وإذا كان مطلب إبعاد الأسد هو النقطة المحورية، التي يتكتل حولها «الأعداء»، فلا ضير من استبداله ومقايضته بشراكة سياسية قد تشمل تركيا والسعودية أيضاً.أوساط أخرى ترى أن الأمر قد لا يكون بهذه البساطة، وخصوصاً أنه مبكر الحكم على حملة لم يمض عليها إلا بضعة أيام، على ما أكده الرئيس الروسي نفسه قبل 3 أيام.وقد اتهم المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، موسكو، بأنها لا تملك استراتيجية واضحة في سورية، وأن تدخلها هو رد فعل على الخوف من سقوط الأسد، بعد فشل إيران وأدواتها في منع سقوطه، مشيراً إلى أسباب سياسية أخرى، لا يخفى أنها تتعلق بالمأزق في أوكرانيا.ولفت نظر المراقبين أن كيربي لم ينف التلميحات المتعلقة بالمنطقة الآمنة، خلافاً لعادة المتحدثين الأميركيين الرسميين عن هذا الموضوع.وتعتقد تلك الأوساط بأن واشنطن بدأت تلمح إلى حدود «الدويلات» ومرجعياتها الإقليمية. وهي ستراقب من الآن فصاعداً تموضع كل القوى اللاعبة في الـ»ستاتيكو» المقبل.
أخبار الأولى
«جنون» روسي أم نافذة لبدء تقسيم سورية؟
10-10-2015