بدأت الكاتبة هاربر لي روايتها "أن تقتل الطائر المحاكي" عام 1950 وأنهتها عام 1957 ونشرت عام 1960، لتختفي الروائية بعد ذلك عن المشهد الثقافي وتكتفي برواية واحدة حققت ما لم تحققه رواية أخرى.

Ad

تحولت الرواية الى فيلم سينمائي من بطولة غريغوري بيك، وحقق نجاحا جماهيريا وعدة أوسكارات، وحققت الرواية مبيعات مذهلة -أكثر من 40 مليون نسخة - ساعدها في ذلك كونها مقررا سنويا على طلبة الثانوية والكليات ودارسي أدب العنصرية الأميركية كما ترجمت الى لغات عالمية، ترجمت مؤخرا الى العربية.

كل ذلك كان داعما مهما لأن تكون الطريق لنجاح الكاتبة سهلة وميسرة ولكنها، وربما تحت صدمة الشهرة، آثرت أن تبتعد عن المشهد وتعود من نيويورك الى مدينتها النائمة في ألاباما دون أن يسمع بها أحد.

فجأة تعود السيدة وهي تقترب من عقدها التاسع الى الضوء الذي غادرته منذ أكثر من نصف قرن لتنشر عملا قديما هو بمثابة نسخة أولية من الرواية الشهيرة. ونشرت الرواية من قبل داري نشر في أميركا وبريطانيا وتحقق حتى الآن مبيعات ضخمة. ولكن الشكوك التي تثار حول الرواية تدل على أن الكاتبة ليست مؤهلة تماما للسماح لهذه النسخة الهزيلة بالنشر.

المؤلفة تعاني عجزا في السمع والبصر، وتم توقيعها على نشر الرواية بعد شهرين من وفاة شقيقتها التي تدير شؤونها، وأحد الذين تثق بهم قد وقعها على عقد نشر الرواية لتحقيق مكاسب مادية متوقعة. ذلك ما حدث فعلا فالروائية التي لم تنشر أي عمل بعد روايتها الوحيدة ستحقق نسختها المودعة في صندوق أمانات اقبالا كبيرا من القراء الذين يقرأون "أن تقتل الطير المحاكي" بشكل سنوي.

لا يرى كثير من النقاد في الرواية الجديدة ما يمكن أن يعتبر رواية، وهي ليست سوى محاولة ترتيب أوراق الرواية الأصلية ويعارض البعض مجرد اقتنائها وقراءتها. ولو نشرت هذه الرواية كرواية أولى لهاربر لي فلن يلتفت اليها أحد، ونشرها الآن بعد عقود من الزمن جعلها رواية غير متقنة مليئة "بكليشهات" زمنها القديم وشخصياتها النمطية التي عاصرت فترة كتابتها.

الرواية تتناول النظرة البيضاء للمواطن الأسود والتي يعتبرها البعض انسانية الرجل الأبيض في الدفاع عن المتهم الأسود وان لم يحقق له العدالة المطلوبة، بينما لا يراه آخرون نضالا ضد النظام الاجتماعي الذي يصنف المواطنين حسب لون بشرتهم وانما لإثبات انسانيتهم أمام أنفسهم وأما أبنائهم دون العمل على تغيير هذا النظام.

وكما جاء على لسان البطل "ان الأسود انسان، أما منحه حق التصويت فذلك شأن آخر". وصدور الرواية في هذا الوقت محاولة للاستفادة من الضجة الجديدة حول صراع اللون البشري في أميركا بعد الأحداث الأخيرة والاعتداء المتكرر لافراد الشرطة البيض على المواطنين السود المتهمين مسبقا بمخالفة النظام.لم يلتفت الناشر لمصلحة الكاتبة ولا تاريخ روايتها الناجح في نشر رواية فاشلة نقديا واجتماعيا قدر ما التفت للمصلحة المادية التى سيحققها من توزيع عمل رديء ودعائي، وهو ما كرره الناشرون كثيرا في اقتناص الوقت الملائم لنشر أعمال دون المستوى ولكنها تتناسب مع ظروف آنية.

بالتأكيد الكتاب سلعة والناشر تاجر كتب وكان يمكن أن نتقبل ذلك لو أن المؤلفة لديها القدرة على اتخاذ القرار في النشر. وما فعله النقاد في توجيه غضبهم على نشر العمل هو اخراج المؤلفة من مسؤولية نشر العمل وكأنهم يتعاملون مع مؤلفة ميتة تم العثور على ارثها واستغلاله.