من المؤكد أن المراهنات تمثل خطرا حقيقيا على الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، وللأسف الشديد فإن أغلب من ينزلق لها لا يعلم عواقبها الوخيمة، وأنها قد تقود أندية ولاعبين ومدربين وحكاما إلى الهاوية وعالم النسيان، خصوصا أن المراهنات من قبل المعنيين باللعبة دائماً ما يرافقها تلاعب في نتائج المباريات وتنتهي بفضائح.

Ad

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أطاحت المراهنات والتلاعب في نتائج المباريات بعدد كبير من أندية الدوري الإيطالي، ففي عام 1980 هبط نادي ميلان إلى الدرجة الثانية بعد الفضيحة التي عرفت بـ"توتونيرو" وتم خلالها إيقاف النجم الشهير باولو روسي وإيداعه أحد السجون، قبل أن يتم الافراج عنه للمشاركة في بطولة كأس العالم 1982 بإسبانيا، والتي حقق فيها لقب الهداف برصيد 6 أهداف، وهي البطولة ذاتها التي شهدت مشاركة منتخبنا الوطني الأولى والأخيرة في المونديال.

وكانت آخر فضائح الكرة الإيطالية في المراهنات عام 2012 تلك التي عرفت بـ "كالتشيو سكوميسي" بعدما نجحت الشرطة الإيطالية في الحصول على العديد من المكالمات الهاتفية التي تم تسجيلها للاعبين ومدربين وأثبتت التحقيقات تورطهم في المراهنات والتلاعب بنتائج المباريات طمعا في الحصول على أموال، وأدت إلى إدانة العديد منهم وعلى رأسهم مدرب المنتخب الإيطالي الحالي كونتي الذي أوقف مدة 10 أشهر.

ناقوس الخطر

وفي الكويت بدأت نار المراهنات تشب مؤخرا في الرياضة الكويتية، عبر رياضيين كويتيين، بينهم حكام ولاعبون صغار السن، إضافة إلى لاعبين دوليين، لذا رأت "الجريدة" أن تدق ناقوس الخطر بشأن تلك الظاهرة، لاسيما أن بلادنا لا تعرف تراخيص لمثل تلك المراهنات كالتي تعرفها أوروبا، لذا من السهولة التلاعب بها، ممتنعة عن تسليط الضوء على أسماء ووقائع كثيرة حفاظاً على سمعة أصحابها.

المعروف أن المجتمع الكويتي محافظ تحكمه قيم ومبادئ وأخلاقيات تسير جنباً إلى جنب مع القانون الذي لا يفرق بين شخص وآخر، ولكننا رأينا أن نضرب مثلا بالمراهنات في الدوري الإيطالي وتحديدا الأزمات الثلاث التي شهدها، وهناك بالطبع أزمات أخرى لم تتوصل الشرطة لخيوطها وتم صرف النظر عنها، وهو ما نخشاه بقوة على لاعبينا الصغار والكبار وكذلك الحكام والمدربين، خصوصا أن أية مراهنات لابد أن تقودها عصابات تتدخل بقوة لتسيير النتائج وفقا للمراهنات، وهو ما يضع الجميع في النهاية تحت طائلة القانون.

المراهنات في الكويت

"الجريدة" في هذا التقرير تكشف خيوط المراهنات التي دفعت بعض اللاعبين إلى البحث عن الكسب المادي السريع، حيث تفشت ظاهرة التلاعب في نتائج المباريات ببطولة الدوري الكويتي ابتداء من الموسم الماضي (2014-2015)، بمشاركة عدد كبير من لاعبي الأندية الكويتية، إضافة الى إداريين وحكام يقومون بالتلاعب في نتائج المباريات والمراهنة بمبالغ كبيرة لتحقيق ارباح من خلال تسيير وإنهاء المباريات على النتيجة التي تم الاتفاق عليها بين جميع الاطراف المشاركة في الرهان للحصول على أرباح مالية ضخمة.

مصدر أكد لـ"الجريدة" أن المتلاعبين بالنتائج يستخدمون موقع "bet 365" الذي يعد أحد أبرز المواقع في شبكة الإنترنت ويوفر لمشتركيه إمكانية المراهنة على أي مباراة تقام في العالم، سواء كانت في كرة القدم أو في أي رياضة اخرى، وتم في السنوات الاخيرة إدراج الدوري الكويتي ضمن الدوريات التي يمكن للمشتركين المراهنة عليها ضمن نطاق الموقع.

ويتيح الموقع للمشترك أن يختار بين عدة أمور لتحقيق الربح المادي في المباراة الواحدة، عبر تحديد اسم الفريق الفائز، او اختيار عدد الاهداف المسجلة فيها، او تحديد هوية مسجل الهدف، او حتى عدد البطاقات الحمراء في المباراة، إلى جانب عدة أمور تتعلق بنتيجتها النهائية.

وكشف المصدر ان عددا كبيرا من المباريات في الدوري المحلي تم تسييرها بتعاون كبير من اللاعبين من الطرفين على حسب النتيجة المتفق عليها والمراهن عليها سابقا.

وتمنح شركة المراهنات مبالغ كبيرة للنتائج غير المتوقعة أو الكبيرة، مثل أن تنتهي المباريات بنتيجة ثقيلة تزيد على ثلاثة أهداف نظيفة أو أكثر، أو تغلب فريق مغمور على آخر كبير، وهذا ما كثر في الموسم الماضي والموسم الحالي في عدد كبير من المباريات والمسابقات المحلية، حيث يتفق اللاعبون على تحديد النتيجة، ويتم التساهل من المدافعين أو حارس المرمى في مراقبة مهاجمي الخصم للسماح لهم بالتسجيل، أو ارتكاب أخطاء فادحة متعمدة مثل ركلات الجزاء في حال تعذر على مهاجمي الفريق الآخر التسجيل والحصول على النتيجة المطلوبة قبل انتهاء الوقت الأصلي من زمن المباراة، كما يمكن للمراهنين أن يضعوا الرهان على شوط واحد فقط، ثم يضعوا رهانا آخر مغايرا لزيادة المبلغ الذي سيتم ربحه مع نهاية اللقاء.

بعض المحترفين متورطون

أكدت المصادر أن عددا من اللاعبين في فريق مغمور اضطروا في إحدى المباريات، ضمن بطولة الدوري، إلى دفع مبلغ من المال لأحد محترفي فريقهم، لإقناعه بالموافقة على مساعدتهم للتلاعب بالمباراة، والحصول على النتيجة التي سيراهنون عليها، وأن المحترف كان خائفا من انكشاف أمره، قبل أن يبدأ بالمساومة على المبلغ الذي وصفته المصادر بالزهيد ولم يتعد الألف دولار.

دور للمركز الدولي للأمن الرياضي والاتحاد الآسيوي

أكد مصدر مسؤول في المركز الدولي للأمن الرياضي، رفض الكشف عن اسمه، أن المركز يعد جهة مستقلة، ويمكن أن يكون له دور في القضايا التي تشمل الفساد الرياضي والتلاعب بالنتائج.

وأضاف المصدر أنه في مثل هذه الحالات يجب على الاتحاد الكويتي لكرة القدم البدء في التحقيق والوصول إلى الأطراف التي تتلاعب في النتائج وإنزال عقوبات مالية وإيقافات قد تصل إلى الشطب النهائي من ممارسة الرياضة.

ولفت إلى أن الاتحاد الآسيوي سيكون له أيضاً دور في هذه القضية في حال اكتمال أضلاعها واكتشاف التلاعب الحاصل في الملاعب الكويتية.

لاعب يظفر بـ 19 ألف دينار

في واقعة يندى لها الجبين خجلاً، راهن لاعب أحد الأندية الصغيرة، التي لم تحقق بطولات على مر تاريخها أو حتى نتائج إيجابية لافتة في السنوات الماضية، على خسارة فريقه بأربعة أهداف دون رد مقابل ربحه 19 ألف دينار.

اللاعب اتفق مع زملائه على الخسارة بهذه النتيجة، ولضمان الربح اتفق مع بعض لاعبي المنافس، واللقاء كاد أن ينتهي بالخسارة بهدفين فقط، ما يعني خسارته للمبلغ الذي سيحققه، واضطر في الدقائق الأخيرة لارتكاب ركلة جزاء مضحكة، كما أهدى تمريرة سحرية لمهاجم المنافس تمكن من خلالها في إحراز الهدف الرابع، الذي جلب له 19 ألف دينار!

تجميد مبالغ رابحة

أكد مصدر مطلع أن موقع "bet365" الذي يقدم خدمة المراهنات جمد مبالغ رابحة في إحدى المباريات الماضية التي أقميت مؤخراً في الدوري الكويتي، بعدما أخطر الرابحين ان هنالك اقبالا كبيرا على المراهنة على هذه المباراة دون غيرها، ولاحظ أن الرهان كان على النتيجة نفسها التي انتهى عليها الشوط الأول ثم المباراة بمجملها، مما أكد الشكوك لديه بوجود تلاعب في نتيجة هذه المباراة تحديدا.

بطاقة حمراء تمنح حكماً مبلغاً طائلاً!

أكدت مصادر مطلعة تورط عدد من الحكام المحليين في المراهنات والتلاعب في سير ونتائج المباريات التي يديرونها، بعد أن استغلوا إتاحة الموقع فرصة المراهنة على عدد ونوع البطاقات الملونة التي يحصل عليها اللاعبون في المباريات، وهو بالطبع ليس بالشيء الصعب على حكم اللقاء الذي سيتأكد من إدارته وإيصال البطاقات إلى العدد الذي راهن عليه في الموقع، وإعطاء اللاعبين البطاقات الملونة بحق أو من دون حق!

وتشير المصادر إلى أن أحد الحكام راهن بالاشتراك مع صديق له على مباراة كان مكلفاً بإدارتها بأنها ستشهد بطاقة حمراء واحدة، وهو ما حدث بالفعل ليحصل الحكم على مبلغ طائل اقتسمه مع صديقه الذي راهن بإسمه!

وشددت المصادر على أن ابتعاد التوفيق عن بعض الحكام لا يعني أنهم مراهنون دائماً، فالحكم أحياناً قد يخرج بطاقات ملونة بقرارات خاطئة، وأحياناً أخرى، يغض النظر عن بطاقات ملونة أيضاً رغم استحقاق اللاعبين لها دون قصد.

لكن من المؤكد أن متاعب قضاة الملاعب، الذين يملكون ميزان العدالة في أياديهم، ستزيد بعد أن توجه بعضهم صوب المراهنات لحصد أموال ضخمة دون وجه حق!