جريمة العاصمة الفرنسية عززت الادعاءات الروسية
حتى بعد مرور كل هذه الفترة، التي لا تعتبر قصيرة بحكم أننا بصدد بحث مسألة على كل هذا المستوى من الخطورة، فإنه لابد من التساؤل عن المستفيد الحقيقي من هذه الجريمة التي ارتكبها "داعش" في باريس، والتي استدعت كل هذا الاستنفار العالمي، وجعلت دولاً كبرى تغير أولوياتها وتعيد النظر في تحالفاتها، وهذا ينطبق أول ما ينطبق على فرنسا الدولة التي دفعت ثمناً غالياً من أرواح أبناء شعبها في ذلك اليوم الأسود المرعب حقاً.كان الروس قد انقلبوا في "جنيف 2" على "جنيف 1"، للتهرب مما تم الاتفاق عليه لحل الأزمة السورية، وفقاً لمرحلة انتقالية لا مكان لبشار الأسد فيها ولا في ما بعدها، تديرها هيئة أو حكومة وحدة وطنية إلى حين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تحت إشراف دولي، وكانوا، أي الروس، قد طرحوا أن الأولوية يجب أن تكون لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه، وظلوا يتمسكون بهذه الحجة، مع اعتبار أن هذا الإرهاب هو المعارضة السورية، وتحديداً المعارضة "المعتدلة" وليس "داعش" أو "النصرة".
ولهذا فإن ما جرى في باريس في ذلك اليوم المرعب الأسود عزز وجهة نظر تحالف روسيا وإيران ونظام الأسد، وجعل بعض الدول المعنية تعيد النظر في تقديراتها السابقة قبل "جنيف 2" وبعده، وتعيد النظر أيضاً في "فيينا الأول" و"فيينا الثاني"، وحقيقة أن ضربة "داعش" الدامية في العاصمة الفرنسية أصابت حتى كبار المسؤولين الفرنسيين بالارتباك، وجعلت بعضهم ينسون مواقفهم السابقة، ويتحدثون عن إمكان الاستعانة بجيش النظام السوري للقضاء على "داعش"، لكن هؤلاء ما لبثوا أن أدركوا خطورة ما قالوه، فبادروا إلى تغيير مواقفهم واشتراط أن تكون أي استعانة بهذا الجيش متوقفة على رحيل الأسد أولاً وخروجه من الصورة السورية نهائياً. هناك مثل معروف يقال ويتم ترديده بعد كل حادث بحجم جريمة باريس أو أكبر أو أصغر منها إن هذا المثل يقول: "قل لي من المستفيد أقل لك من هو الفاعل الحقيقي"، وهنا ومن دون أي اتهام، فإنه من المفترض أن هناك إن لم يكن اتفاقاً فهو توافق على أن المستفيد من هذه الجريمة المرعبة التي دانها العالم كله هو: أولاً بشار الأسد، وثانياً روسيا الاتحادية، وثالثاً إيران، ورابعاً الأتباع والأعوان من حزب الله اللبناني، إلى بقية التشكيلات والشراذم التي جرى استيرادها من دول كثيرة ومتعددة، بعيدة وقريبة، للمشاركة في ذبح الشعب السوري وتدمير سورية.لقد سارع بشار الأسد بعد تلقيه نبأ وقوع جريمة باريس إلى تنفس الصعداء، كما يقال، فهي عززت مقولة إن الأولوية هي للقضاء على "داعش" وعلى الإرهاب وليس لرحيله هو، وإسقاط نظامه، وهذا ينطبق بالطبع وبالتأكيد على الروس والإيرانيين، فروسيا سارعت إلى مضاعفة حجم ونوعية تدخلها العسكري في سورية، والرئيس فلاديمير بوتين وصلت به نشوة "التفوق" بعد مذبحة العاصمة الفرنسية إلى حد اتهام تركيا بأنها أسقطت الـ "سوخوي 24" الروسية لحماية تهريب النفط لحساب هذا التنظيم الإرهابي الذي يطلق على نفسه زوراً وبهتاناً اسم "الدولة الإسلامية"! لقد كانت حجة الروس ضعيفة ومتهالكة وغير مقنعة حتى للمؤلفة قلوبهم، عندما طرحوا في "جنيف 2" أن الأولوية يجب أن تكون لا لإزاحة بشار الأسد وترحيله، بل للقضاء على الإرهاب، أما بعد كل ما جرى في باريس في ذلك اليوم الأسود، فإنهم باتوا يشعرون بإحراز انتصار هائل لابد من استثماره، وكل هذا وقد بادر الأسد بدوره إلى إعلان أنه لا عملية سياسية إطلاقاً لحل هذه الأزمة قبل سيطرة جيشه على كل الأراضي السورية، وقبل القضاء على الإرهاب، وبالطبع فإن المقصود هنا هو المعارضة... وتحديداً المعارضة (المعتدلة).