«يحليلها»
"يحليل" الحكومة حين سربت بعض الأخبار عن إصلاحات اقتصادية قادمة متمثلة في خريطة طريق اقتصادية حتى عام 2035 "تتضمن ترشيد الإنفاق، وفرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة ورسوم طرق، على أن تحال قبل انتهاء هذه المدة إلى مجلس الوزراء، الذي سيحيلها بدوره إلى مجلس الأمة بعد الاطلاع على تفاصيلها واعتمادها... الى آخره" (الجريدة عدد الأمس) "وإلخ وإلخ وقبضوا من دبش وانطر يا حمار حتى يأتيك الربيع"، مجرد تذكير بسيط عن حكومة الأحلام في الإصلاح الاقتصادي - طبعاً الحديث عن إصلاح سياسي من الممنوعات - هو أنه قبل هذا التاريخ (خريطة الطريق) ستكون نسبة العجز في ميزانيات دول الخليج 700 مليار دولار، بحلول عام 2020 حسب توقعات صندوق النقد الدولي، أي قبل 15 سنة من تحقق وعود الحكومة، بينما كان الفائض المالي لهذه الدول في السنوات القليلة الماضية حوالي 600 مليار دولار، هذا ما كتبه عادل مالك في دورية "فورن افيرز" العدد الأخير، بعنوان مرعب "ذوبان اقتصاديات دول الخليج".كلمة ذوبان تعني نحول، اضمحلال، ونقول ذاب الجليد أي سال، فهل ستذوب اقتصاديات دول الخليج بعد أن تهاوت أسعار النفط لأكثر من نصفها، والتي أسست عليها ميزانياتها سابقاً؟ الإجابة عند الكاتب تؤكد هذا، فدول الخليج، ومنذ السبعينيات كانت تتحدث عن تنويع مصادر الدخل، وتعد بوضع نهاية الاعتماد على المصدر الوحيد للدخل، لكنها لم تفعل، وجل ما فعلته هو خلق صناديق الاستثمار السيادية، وهذه، آخر الأمر، مرهونة عند الدول المستثمر بها، والآن بدأ "تكييش" أصولها، لسداد نفقات الدولة، دولة الإمارات العربية هي الوحيدة من دول الخليج التي اجتهدت لتنويع مصادر دخلها قليلاً، ولكن حتى هذه في النهاية ظلت معتمدة على النفط كسلعة وحيدة للدخل.
الدول التي استطاعت تنويع مصادر دخلها "بتسوانا" على سبيل المثال، ورثت مؤسسات شملت تنوعاً في المصالح الاقتصادية وتنافساً بين أصحاب هذه المصالح، وكان هذا يتم ضمن إطار منافسة سياسية عادلة... في الكويت، يستطرد الكاتب، كانت طبقة التجار توفر مثل تلك المعادلة السياسية بالحد من هيمنة السلطة الحاكمة.الأمر اختلف الآن... (وهذه من عندي) الاقتصاد والسياسة هما محتكران من الأسرة الحاكمة، وفي ظل غياب التنافس الاقتصادي السياسي، أضحت الدولة رب العمل الكبير المعتمد تماماً على بقالة النفط، ما يعني تكريس حالة الريع، وما تشمله من فساد إداري وسياسي وعجز متأصل وتكاسل وتسويف لمباشرة الإصلاح، فطالما هي السلطة مصدر الأرزاق، فهي أيضاً مالكة الأعناق، وبالتالي، لا مجال لأي كلام عن الضريبة أو إصلاح الخدمات، فالضريبة تفتح أبواب معارضة جدية، حين يسأل المعارضون السلطة، ببساطة، لماذا تحملوننا أعباء اقتصادية وترفضون، بالوقت ذاته، أن يكون لنا صوت في مصيرنا ومستقبلنا...؟ لماذا لا تشركوننا في الحكم... مشاركة حقيقية وليست شكلية كما حادث الآن؟ وحتى بالمجالس النيابية السابقة، قبل مجلس الصوت الواحد، فلطالما كانت الأسرة الحاكمة تمثل المرجعية النهائية، وصاحبة الكلمة الأخيرة بكل صغيرة وكبيرة في الدولة.بدأت المقالة، بكلمة "يحليلها" العامية، وهي تقال للطفل الصغير الذي يجذب انتباه وإطراء الكبار حين يقوم بحركة مفرحة أو يقول كلمة ما تتجاوز عمره الزمني، هي عابرة، ولا تمثل نهجاً ملزماً، يتسم بالجدية... وهذا ما ينطبق على وعود السلطة اليوم حين تتحدث عن الإصلاحات الاقتصادية قبل 2035 ولا تتكلم من بعيد أو قريب عن إصلاح سياسي مستحق الآن أكثر من أي وقت آخر، فطبيعة تركيبة السلطة وتاريخها، وما نتج عن ذلك من تكريس حالة التواكلية والاعتماد على الغير في قيم العمل والإنتاج بالمجتمع الكويتي، كل ذلك أضحى تجسيداً كاملاً لحالة المرض الريعي وعوارض الفساد المرافقة له... ليس لي بمثل هذا الحال السياسي المائع أن أصدق وعود الحكومة بالإصلاح الاقتصادي كما سربت الخبر، ولا أتخيل أن الإصلاح الاقتصادي القادم لن يكون بغير طباعة المزيد من الدنانير... فهذا كل ما تقدر عليه الحكومة طالما هي الحكومة التي لم تتغير ولم تتبدل لعقود ممتدة... ويحليلها كبرت ما شاء الله.