الأغلبية الصامتة: لغتنا تذوب
إن من يتابع «تويتر» و«فيسبوك» يرى حجم الكارثة اللغوية والمعرفية التي يعيشها أساتذة وذوو مراكز يفترض ألا يصل إليها إلا من كان متسلحاً بالمؤهلات والخبرات، التي من بينها إجادة اللغة العربية، فلا بد أن يتساءل كيف وصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه، خصوصا أن مراسلات الدولة ولغتها الرسمية
لا تتم إلا بتلك اللغة؟!
لا تتم إلا بتلك اللغة؟!
هل ستعد مطالبتي بوقف تدريس اللغة الإنكليزية لفترة من الزمن ضرباً من التخلف؟ ليس مهماً، فبعض القضايا تحتاج إلى صدمات للفت الأنظار إليها، خصوصا تلك القضايا ذات الأثر الشامل والمتعلقة بالمستقبل والحاضر في آن واحد.هذه المرة الحديث عن المخاطر التي تتهدد لغتنا العربية كأداة تواصل وهوية ثقافية وحضارية ودينية، بعد أن كشفت لنا وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الأمثلة الحية عن حجم الكارثة اللغوية والمعرفية التي نعيشها في الكويت على الأقل، وعندما أجمع الاثنتين معاً اللغة والمعرفة، فأنا أشير إلى علاقة سببية، فمن يقرأ ويتوسع بالقراءة خارج المنهج فسيكتسب المعرفة حتماً، ومن يقرأ ويتبحر في مفردات اللغة العربية ومعانيها العميقة فلن يحتار بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة، ولن يترنح عند قواعد الهمزة أو يعجز عن سبك العبارات المشبعة بالإيجاز الوافي.
ألا ترون معي كم الساقطين يوميا في اختبارات "تويتر" و"فيسبوك" وغيرهم من أناس يفترض أنهم أساتذة وذوو مراكز يفترض ألا يصل إليها إلا من كان متسلحاً بالمؤهلات والخبرات، التي من بينها إجادة اللغة العربية، خصوصا أن مراسلات الدولة ولغتها الرسمية لا تتم إلا بتلك اللغة؟!! ألا تسألون أنفسكم كيف وصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه؟ نحن كشعب محب للسفر نردد دون تمحيص أو تأنيب ضمير كلاما يصف البلد الفلاني بأنه جيد، لكن عيبه الوحيد أن أهله لا يتكلمون غير لغتهم!! هل تريدون السبب، هم يعتزون بلغتهم وهويتهم بخلافنا نحن الذين تساهلنا في تآكل لغتنا وتشييد لغات فوق أنقاضها دون حتى اكتساب معارف جديدة، ففي فرنسا كما في لندن يوجد أناس محدودو الثقافة وربما أميون لكنهم يجيدون لغة بلادهم، هؤلاء بالضبط هم أنتم يا من تجيدون فقط لغة ثانية دون الاستفادة من علومها وثقافتها.إن إتقان اللغة العربية يهذب اللسان ويرتقي به، ويخفف من وطأة العبارات الحادة التي نقرؤها بين الناس باستعمال مخزون العبارات البديلة الكفيلة بتوصيل المعنى وزيادة، وإن فكرة إعادة النظر بتدريس اللغة الإنكليزية ليست سوى جسر لإعادة النظر بمستوى مخرجات النظام التعليمي وكفايته من لغته الأم، وحتى الآن لم أقرأ أو أسمع أن أمة سلكت طريق التقدم على حساب لغتها الأم؛ لأنها الأساس مهما كانت أهداف الدولة النهائية من ذلك النظام التعليمي.وتخيلوا معي هذا المشهد الذي يبدو أننا مقبلون عليه، أجيال من خريجي الثانوية لا يعرفون اللغة العربية قراءة وكتابة يدخلون الجامعة ثم ينتشرون في مؤسسات الدولة بعد التخرج، ومنهم من سيتولى مراكز القيادة واتخاذ القرار دون أن يكون مؤهلاً لقراءة مذكرة أو كتابة سطر، يا ترى كيف سيكون مصير الكويت وجميع مفاصلها خارج نطاق القراءة والمعرفة والاطلاع؟في الختام من يعتقد أن الانسلاخ من هويته ضمانة لاكتساب احترام الشعوب الناطقة بلغته البديلة مخطئ؛ لأنهم يميزون بين من يحاول الاتصال بهم معرفياً من موقع هويته الأصلية وبين من "يتمسح" مستدراً عطفهم كي يضموه لفريقهم.