هدية مصر للعالم
مر عام من عمر الزمان، قد يبدو لحظة في حياة الشعوب، لكنه في وجدان المصريين كان يمثل إرادة حديدية، وإصراراً لا يلين، وجهداً لا يهدأ، لإنجاز ملحمة حفر قناة السويس في 12 شهراً فقط، وفقاً لتكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي، بدلاً من 3 سنوات، كما كان مقرراً لإنجاز المشروع من قبل.منذ يومين، كان العالم على موعد مع حفل أسطوري، فرح المصريون، وشاركهم العالم فرحتهم بافتتاح قناة السويس الجديدة، شريان الأمل، أو هدية مصر للعالم كما يقول المصريون.
يبدو للبعض أن الممر الملاحي الجديد مشروع اقتصادي وتنموي فقط، لكن الحقيقة هو تاريخ يكتب من جديد، هو دماء المصريين وعرقهم، هو خط بارليف الذي حوَّله المصريون إلى قناة ملاحية، هو الأمل في بكرة، هو استعادة روح العمل والإنتاج، هو القدرة على التنفيذ في وقت قياسي يشهد به العالم، هو مصر التي عادت.قناة السويس هي حكاية شعب قادر على صنع المستحيل، منذ أن ضرب الفلاح المصري أول فأس لشق ممر ملاحي يربط البحرين الأبيض والمتوسط تحت قيادة ديليسبس في عهد الخديوي سعيد، وانتهى العمل بها بعد عشر سنوات في عهد الخديوي إسماعيل الذي سافر إلى أوروبا في 17 مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة، حيث كان المشروع الأبرز في العهد الملكي.وفي يوليو 1956، بمنطقة منشية ناصر أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس لتكون شركة مساهمة مصرية، بعد أن سحبت الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالي، تبعتها بريطانيا والبنك الدولي، وكان ذلك سبباً للعدوان الثلاثي على مصر. وفي 5 أغسطس 2014، أعلن الرئيس السيسي تدشين مشروع حفر قناة موازية للممر الملاحي الحالي، في مؤتمر صحافي عالمي، مطالباً الجهة المشرفة على المشروع بالانتهاء منه خلال عام واحد، وهو ما حدث بالفعل، وأطلق السيسي إشارة البدء لتشغيل قناة السويس الجديدة، هدية مصر للعالم، وانطلقت احتفالات الفرحة على خط القناة وجميع المحافظات، بعد 365 يوماً من الأشغال الجادة والآمال العريضة والأحلام التي تحولت إلى واقع.بدأ العمل في مشروع القناة الجديدة في 5 أغسطس 2014، تحت إشراف الإدارة الهندسية للقوات المسلحة، وجمع المصريون في أقل من 8 أيام 64 مليار جنيه لتمويل المشروع عبر شهادات استثمار.وتتوقع الحكومة زيادة عائدات قناة السويس عام 2023 لتصل إلى 13.2 مليار دولار، مقارنة بالعائد الحالي 5.3 مليارات.وتسعى الحكومة من خلال هذا المشروع إلى تعظيم القدرات التنافسية للقناة، وتمييزها عن القنوات المماثلة، ورفع درجة التصنيف العالمي للمجرى الملاحي نتيجة زيادة معدلات الأمان الملاحي أثناء مرور السفن.ولمشروع قناة السويس الجديدة هدف آخر، إلى جانب أنه يقدم للعالم ممراً ملاحياً جديداً، هذا الهدف يتمثل في جعل إقليم قناة السويس الذي يضم محافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية، محوراً مستداماً قادراً على المنافسة العالمية في مجال الخدمات اللوجستية والصناعات المتطورة والتجارة والسياحة.كان مشروع حفر القناة حلماً وأصبح حقيقة تجسد أسطورة شعب أبى ألا يضحي فقط بالمزيد من دماء أبنائه، ليس فقط من أجل مصر، بل من أجل العالم بأسره، فكانت القناة الجديدة من "أم الدنيا" لكل الدنيا.