هذا عنوان لكتيب نفيس للدكتور حسين مؤنس- رحمه المولى تعالى- المؤرخ المعروف في التاريخ الإسلامي، ألف هذا الكتيب بهدف التعريف بالإسلام وخصائصه وتميزه، بشكل مبسط وأسلوب جديد يسلط الأضواء على جمالية هذا الدين العظيم في صورة أدبية فنية رائعة، يختلف عن الكتابات التقليدية "المملة" بحسب وصفه في المقدمة، التي لا تعتمد على القرآن الكريم اعتماداً كافياً.
لذلك اختار عشرين آية قرآنية تشمل: خلق آدم وخروجه من الجنة وهبوطه إلى الأرض واستخلافه، ومظاهر آيات الله تعالى في الكون، وحفظ القرآن منذ لحظة نزوله إلى يوم القيامة من أي تغيير أو تبديل أو تحريف، مصداقاً لقوله تعالى "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، والإيمان بالله تعالى ووحدانيته، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، والأمة الإسلامية، وعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى، والعبادات: الصلاة والصيام والزكاة والحج، ثم الجهاد، والوحدة الإسلامية، وتربية الوجدان، والعلم والعمل والعدل، ومركز المرأة في المجتمع الإسلامي، ومكارم الأخلاق، والعوامل التي ينهض بها المسلمون ويتقدمون، كل ذلك بأسلوب مشوق، يحلل به الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، والتي تعوق عمليات التنمية لتجاوز الفجوة التي تفصل العالم الإسلامي عن عالم المزدهرين، ويقترح الحلول والمخارج المناسبة لها من النصوص القرآنية والنبوية.قبل أن أختار بعض الآيات الموضحة، كنماذج للفهم الإسلامي المستنير للإسلام والمتفق مع روح العصر وقيمه، في عالم سمته الأساسية التغير الدائم، أعرفكم بمنهج الدكتور مؤنس في كتاباته وفي تدريسه للتاريخ الإسلامي وحضارة الإسلام، أتصور أن الدكتور حسين مؤنس رائد فيما يسمى "التاريخ الاجتماعي الإسلامي" تاريخ الناس العاديين، وتسجيل حياتهم وما يقومون به ويجهدون في سبيله كل يوم، والأعمال والحرَف والمهارات والعبادات... إلخ، وذلك خلافاً للمنهج السائد عند كثير من المؤرخين الذين ركزوا على "التاريخ السياسي" تاريخ الخلفاء في العهود الإسلامية المختلفة وفتوحاتهم وصراعاتهم السياسية. يقول المفكر المصري السيد ياسين: "إن أهم تطور حدث في القرن العشرين- في علم التاريخ- هو اكتشاف التاريخ الاجتماعي واحتلاله الموقع الأهم من الكتابات التاريخية بدلاً من كتابات التاريخ السياسي التقليدي، وهكذا قسم علماء التاريخ المحدثون، الكتابات التاريخية إلى نوعين: "التاريخ من أعلى" الذي يركز على دور النخب السياسية والاجتماعية والثقافية، و"التاريخ من أسفل" الذي يركز على المقهورين في كل مجتمع، ويعطي الطبقات الشعبية، حقها في أن تظهر في اللوحة التاريخية لكل مجتمع". ومن يطّلع على كتاب "عالم الإسلام" للدكتور مؤنس، لن يقرأ التاريخ الإسلامي، بل يشاهده مصوراً كما يشاهد فيلماً سينمائياً مشوقاً، ولا يفوتني أن أشير أيضاً إلى كتاب "تاريخ الناس" في منطقة الخليج العربي للمؤرخ الكويتي المعروف، د. عبدالمالك التميمي، كنموذج للتاريخ الاجتماعي للخليج، وهو كتاب رائد في مجاله، ثري ومشوق، يصور حياة الخليجيين قبل العصر النفطي وبعده، ومثل هذه الكتابات قليلة، ومن هنا تأتي أهميتها وضرورتها.سأختار من العشرين آية، وبحسب ما تسمح به المساحة المخصصة لهذا المقال القصير، ما يأتي: 1- قوله تعالى: "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ".الإيمان بالله تعالى ووحدانيته وتفرده بالخلق والقدرة هي لب الإسلام وقاعدته الكبرى، التي تتفرع عنها كل فضائله وخصائصه، ولا تكاد سورة قرآنية تخلو من آيات تتحدث عن تفرد الإسلام بالقول بالوحدانية المطلقة للحق سبحانه، لأن هذه الوحدانية، هي الضمان للأمن والسلامة والسلام للبشر، ولو أنهم اجتمعوا عليها، لما كانت هناك حروب أو فتن أو مجاعات، هذه الآيات التي تروع النفس ببلاغتها وحسن مساقها، تجمع بين الوحدانية لله تعالى وجانب من صفاته التي ينفرد بها جل جلاله. 2- قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً". يقول المؤلف: طوال السنوات التي أنفقتها في خدمة سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، أحسست إحساساً متزايداً بحب له أعمق فأعمق يوماً بعد يوم، لأن نواحي الجمال والكمال في شخصيته وكلامه لا تحصى، وأنا عندما أكتب عنه فإني أراه فعلاً ببصري وبصيرتي، أراه وأتحدث إليه دون صوت وأشكو له همومي وأسأله، بعد الله تعالى، العون والمشورة.3- قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".الصيام في كل الأديان ولدى العديد من الشعوب، لكن الصيام الإسلامي تميز بالاعتدال والشمول، وهو عبادة وتطهير وموعظة ورحمة وتنظيم اجتماعي وتربية جماعية واجتماعية، هو صيام لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب بل هو صيام أدب وتهذيب عن سوء القول وسرعة الغضب وإيذاء الناس واغتيابهم. 4- قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً".عندما تقرأ هذه الآيات وتتدبرها ترى آيات الله تعالى في الحكمة من الزواج، فإنه قائم في أساسه على المحبة والرحمة والمودة، ولكن عامة الناس عندما لا تدرك هذه الحكمة الإلهية، تغيب عنهم الناحية الروحية في الزواج، فإذا لم يجد الرجل في زوجه السكن الآمن الذي تستريح إليه نفسه، فلماذا يتزوج؟!وبعد: فهذا الكتيب أراه جديراً بالقراءة في هذا الشهر الفضيل، لأنه يساهم في إضاءة عقل القارئ ووجدانه بالقيم الإيمانية والروحية وفي تعميق وعيه بدينه.* كاتب قطري
مقالات
«الإسلام في عشرين آية»
13-07-2015