حسين فهمي هو الشاب الوسيم الذي غنت له سعاد حسني في فيلم «خلي بالك من زوزو» (1972): «عنده برود أعصاب اسم الله ولا جراح بريطاني (..) ما تقولش أمين شرطة اسم الله ولا ديبلوماسي (..) أكلمه بحرارة يرد بالقطارة (..) الرجل الغامض بسلامته متخفي بنظارة، في وصف دقيق للغاية بدا معه الشاعر الكبير صلاح جاهين وكأنه مثال أو فنان تشكيلي نحت تمثاله أو استوحى لوحته من «موديل» يقف أمامه، إذ لم يكتف برسم ملامح الشخصية الدرامية التي جسدها حسين فهمي في الفيلم الذي أخرجه حسن الإمام، وإنما قرأ جوهر الشاب الوسيم ذو العينين الخضراوين، والشعر الأصفر الناعم، الذي يتحدر عن عائلة أرستقراطية اشتغلت بالسياسة، وتبوأ رجالها، ونساؤها، مناصب مرموقة، فالجد الكبير محمود باشا فهمي ترأس مجلس الشيوخ في عهد الخديو عباس، كما ترأس مجلس شورى القوانين. أما جده محمد باشا فهمي فكان عضواً بمجلس الشيوخ، وأحد مؤسسي حزب الدستوريين، وشغل والده منصب سكرتير مجلس الشيوخ، وهو في الثامنة والعشرين من عمره، ودرس العلوم السياسية في باريس، بينما تخرجت والدته خديجة هانم زكي في جامعة السوربون، وعٌرفت بنشاطها الاجتماعي المبكر للغاية، فإليها يعود الفضل في تأسيس عدد من الجمعيات الخيرية، مثل: جمعية تحسين الصحة، جمعية الهلال الأحمر وجمعية مشوهي الحرب.

Ad

«الرجل الغامض بسلامته» وصف ينطبق كثيراً على حسين فهمي المولود في القاهرة في 22 مارس عام 1940، فقد تخرج في قسم الإخراج بالمعهد العالي للسينما، وسافر إلى أميركا ليستكمل الدراسة في معهد «باسادينا» بكاليفورنيا، لكنه لم يمارس الإخراج في حياته، بل تحول إلى التمثيل، عقب أن اختاره المخرج حسن الإمام ليشارك في بطولة فيلم «دلال المصرية» (1970)، ورغم حداثة خبرته، إلا أن اسمه احتل المرتبة الثالثة في «أفيش الفيلم» بعد ماجدة الخطيب وصلاح قابيل، وهو الأمر الذي اختلف بدرجة ما في فيلمه التالي «نار الشوق» (1970)، حيث جاء ترتيبه، بناء على تعليمات المخرج محمد سالم، بعد صباح، رشدي أباظة، وديع الصافي وهويدا ابنة صباح!

أدرك حسين فهمي أن ملامحه الأجنبية، ووسامته المفرطة، ستقوده إلى الدوران في فلك أدوار «كازانوفا»، «الدونجوان» و{العاشق الولهان»، التي سجنه فيها المنتجون والمخرجون، غير أنه سرعان ما أعلن تمرده، ووافق على تجسيد أدوار الشرير والمظلوم والزوج المغلوب على أمره، كما في أفلام: «الأخوة الأعداء»، «الهارب» و{امرأة متمردة»، لكنه حقق نقلة نوعية كبيرة في فيلم «العار»، أتبعها بدوره في فيلم «جري الوحوش»،. ورغم أن العام 1990 شهد أول وآخر تجربة تعاون بينه والمخرج الكبير يوسف شاهين في فيلم «إسكندرية كمان وكمان»، فإن النقطة الفارقة في مسيرته السينمائية تمثلت في تجسيده دور ضابط المباحث «معتصم الألفي» في فيلم «اللعب مع الكبار»، إذ استطاع أن يكون نداً قوياً للنجم عادل إمام، واللافت هنا أن تجربة حسين فهمي برهنت بما لا يدع مجالاً للشك أنه يتألق في حالين، أولهما وجود المخرج المتمكن القادر على توجيهه، ولا يؤمن بنظرية «التمثيل مسؤولية كل ممثل»، وثانيهما أن يجمعه الفيلم بممثل قوي قادر على استفزازه، وشحذ طاقاته الخاملة، فالمخرج يصنع من حسين فهمي ممثلاً، كما فعل محمد خان في فيلم «موعد على العشاء»، وشريف عرفة في فيلم «اللعب مع الكبار»، وعلي عبد الخالق في «العار»، بينما يفجر التحدي ملكاته الكامنة، كما في تجربته مع عادل إمام في «اللعب مع الكبار»، ونور الشريف في «اختفاء جعفر المصري» و{العار»، من قبل وأحمد زكي في «موعد على العشاء»،  ومحمود ياسين في «انتبهوا أيها السادة»، ومحمود عبد العزيز في «جري الوحوش». ولا يمكن أن ننسى هنا تجربته في «الأخوة الأعداء»، التي وجد نفسه خلالها في مواجهة العمالقة: يحيى شاهين، نور الشريف ومحيي إسماعيل، وأظنه كسب الرهان.

من هنا، كانت فرحتي كبيرة بقرار د. ماجدة واصف رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والناقد يوسف شريف رزق الله مديره الفني بمنح النجم حسين فهمي جائزة فاتن حمامة التقديرية في حفل افتتاح الدورة السابعة والثلاثين للمهرجان (11 – 20 نوفمبر 2015)، بالإضافة إلى إصدار كتاب عنه من إعداد الناقدة ماجدة موريس، وعرض أربعة من أفلامه على هامش التكريم هي: «خلي بالك من زوزو»، «الهارب»، «العار» و{اللعب مع الكبار»، فالقرار يُعيد - في رأيي - الاعتبار إلى فنان ظُلم طويلاً، سواء كممثل لم تخضع مسيرته للتقييم الذي تستحقه، أو كرئيس لإدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في الأعوام من 1998 إلى 2001، فإضافة إلى شخصيته الحاسمة، وحضوره الملحوظ  أظهر كفاءة إدارية غير متوقعة.