ترددت كثيراً قبل مشاهدة فيلم «4 كوتشينة» بسبب السمعة السيئة التي طاردته، وإيراداته المتردية بشكل غير مسبوق، وكانت خطواتي تتثاقل في كل مرة أقترب فيها من الصالة التي تعرضه، وكأنني مُقبل على كارثة، إلى أن حسمت أمري، وهمست لنفسي: «لا تأخذوا الأفلام بالشبهات» وطبقت القاعدة القانونية الشهيرة «الفيلم بريء حتى تثبت إدانته»!

Ad

 لا أدري لماذا ذكرني الفيلم بظاهرة استشرت في السينما المصرية طويلاً تمثلت في اعتياد سيدات الاتجاه إلى الإنتاج السينمائي سعياً وراء الأضواء وطمعاً في الشهرة والنجومية، ومن ثم يتحول الفيلم في النهاية إلى تجربة فاشلة لتقديم «صاحبة رأس المال» في ثوب الفنانة الشاملة أو الممثلة ذات المواهب المدفونة، وفي حال عجزت عن توفير المال اللازم توافق على التبرع بأجرها مقابل الظهور على الشاشة أكبر مساحة زمنية ممكنة!

الفتاة الثرية، سواء أكان اسمها «ميادة» (الأردنية هيام الجباعي) أو غيرها، التي تساعد أصدقاءها الفقراء (الثلاثي: أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا) ليحققوا الحلم، وينطلقوا في عالم الغناء، «تيمة» قديمة استهلكتها السينما المصرية عشرات المرات في أفلام متواضعة المستوى ما زال البعض يستدعيها، وفي ظنه أنه يستدعي التوليفة المضمونة التي كانت سبباً في نجاح أفلام عبد الحليم حافظ (المطرب الذي يبدأ من الصفر ويقوده طموحه إلى نجاح أسطوري) لكن أحداً لا يريد أن يفهم أن الأسطورة لا تتكرر، وأن الفارق هائل بين «العندليب» و{الأراجوزات»!

اللافت في فيلم «4 كوتشينة» أنه جمع بين إرادة طرفين ربطت بينهما مصلحة مشتركة، فالأردنية هيام الجباعي سعت إلى استثمار ظاهرة  «ثالوث المهرجانات»: أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا لتقدم نفسها كممثلة وراقصة ومطربة ولا مانع من أن تحقق مكاسب طائلة كمنتجة بينما خُيل للثالوث أن الفرصة باتت مهيأة لتعويض إخفاقهم الصارخ في فيلم «8 %»، الذي شاركتهم بطولته مي كساب، واستعادة بعض الشعبية التي فقدوها في الفترة الماضية، وكانت النتيجة كارثية للطرفين، فإيراداته لم تتجاوز 800 ألف جنيه احتل بها المركز الرابع والأخير في قائمة ضمت أربعة أفلام تم طرحها في موسم عيد الأضحى المبارك، وكانت سبباً في قيام مديري صالات العرض السينمائية إلى رفعه غير مأسوف عليه لكن ما يؤسف له حقاً أن كاتب الفيلم هو حازم متولي، الذي أخرج فيلمه الروائي الطويل الأول «وبعد الطوفان»، وحصل عنه على جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم عربي في الدورة 18 لمهرجان سينما المؤلف بالرباط في العام 2012، وأن ترى ممثلين مثل: علاء مرسي وعايدة رياض يشاركان في المهزلة المسماة «4 كوتشينة»!

  «أكل العيش مُر» ربما يصرخ بها البعض في وجهي، ويتهمني بأنني مُجرد من الإنسانية، ولا أحسن تقدير ظروف البشر، لكن ما رأيته لا يستحق شفقة ولا تُجدي معه رحمة، فالفيلم يُحرض الناس ضد الفن، والسينما، وربما يُصبح سلاحاً في أيدي المتطرفين وكارهي الفن بعد أن ييسر لهم مهمة إقناع البعض بأن الفن «معصية» أما السينما فهي «فسق وضلال»!

مسوخ بشرية، و{كليب طويل وممل» (مونتاج أحمد سعد) هذه هي الخلاصة التي يخرج بها من تضطره الظروف، مثلي، لمشاهدة فيلم «4 كوتشينة»، الذي تشعر أثناءه وبعده بكراهية شديدة للحارة الشعبية والفقراء والأغنياء أيضاً، فالادعاء واضح، والتلفيق مستفز، وكلٌ يغني على ليلاه، فالمنتجة تصورت أنها «سندريلا الشاشة»، والثالوث أوحى لنا بأنه «الثلاثي المرح»، ولأن الرغبة في التربح هي الهم الأول لصانعي الفيلم وليس الفن الذي أتى في ذيل الحسابات، تذكرت المنتجة مطرباً شعبياً يُدعى «حمدي باتشان»، ذاع صيته في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، واختار لنفسه لقب «باتشان» تيمناً باسم النجم الهندي «أميتاب باتشان» وجعلته يغني «رائعته» الشهيرة «أيه الأساتوك ده»، واستدعت آخر يُدعى «منعم» ليغني بطريقة الفرانكو آراب، واشترط كل منهما - في ما يبدو - أن يتبرع بأجره كاملاً مقابل أن يقدم أغنيته كاملة فامتثلت المنتجة، ومعها المخرج محمد جمال، الذي بحثت في سيرته الذاتية فتبين لي أنه «بدأ حياته كملحن يصيغ الألحان ويضع الموسيقى التصويرية»، ومن أجل هذا لم يكن غريباً عليه أن يُحاول إرضاء البطلة/ المنتجة بلقطات تبرز مفاتنها (تصوير حافظ الكيلاني) أو يُضيف مشاهد تُرضي غرورها للدرجة التي تدعوها للتصريح بثقة تُحسد عليها أن «هذا الفيلم يُعد نقلة في مشواري الفني»، وينفذ أوامرها بالاستعانة بابن بلدها منذر رياحنة، الذي كان مفتعلاً، ويفاجئ الجميع بظهور غسان مطر، بعد ثمانية أشهر من رحيله، فأجهز على الفيلم تماماً!