التصريحات التي أدلى بها اللواء الشيخ مازن الجراح، الأسبوع الماضي، في قناة المجلس، مع المذيع عمار تقي، رغم الشفافية والجرأة اللتين تحدَّث بهما الشيخ الجراح، فإنها تستحق التعليق، في ما تناوله من التبرير لمشروعية ضرب المتهمين في القضايا الجزائية.

Ad

وتكمن أهمية تلك التصريحات، لكونها صادرة من مسؤول في الوزارة المعنية بضبط الجريمة، والقبض على المتهمين باسم القانون، فيتحدَّث عن بعض السلوك الذي يُمارس بحق المتهمين لدى التحقيق معهم في الجرائم، ويعتبره أحد الأساليب التي تتبع، للحصول على الاعترافات، لأنه من غير الممكن والمعقول أن يُنكر المتهم جريمته ونقبل بذلك.

 ثم يُكمل، بأن الأب يضرب أبناءه في المنزل، وبالتالي فالضرب موجود، وإن كان - كما قال - قديما، ثم يجيب بأنه لا أحد لا ينكر وجود الضرب، وإلا لما كانت هناك أحكام نهائية لضباط أدينوا بالإعدام.

تصريحات اللواء الجراح، وإن كانت مليئة بالصراحة، إلا أنها أكدت ما كان يردده المتهمون في الجرائم التي يضبطون فيها منذ سنوات أمام المحاكم، ويدعون فيها بارتكاب جرائم الضرب بحقهم من رجال الأمن، وكانت وزارة الداخلية تردد، بأن أقوالهم غير صحيحة، فهم يريدون الهروب من الجريمة والعقاب.

وتلك التصريحات أكدت ما انتهت إليه محكمة الاستئناف في الحكم التاريخي الذي أصدره المستشار المرحوم صلاح الفهد، قبل وفاته بعام، ببراءة وافد فلبيني من قتل المواطن الكندي، الذي أصيب بطلق ناري في منطقة الفحيحيل، وتم ضبط مواطن يُدعى ماجد المطيري، وتم عرضه أمام النيابة، بعد تعرضه للتعذيب، ثم أُخلي سبيله، لثبوت عدم مسؤوليته، رغم حجزه ما يقارب الـ 10 أيام، فيتم ضبط وافد فلبيني على أنه شارك زوجة القتيل بالجريمة، ليتقاسم معها التأمين على حياته، فينتهي القضاء إلى براءة هذا الفلبيني، بعد تبرئة المطيري من الجريمة بعد وقوعها!

كما أكدت تلك التصريحات، ما انتهى إليه القضاء، بدرجاته الثلاث، ببراءة المواطنين من قضية خلية عريفجان، التي اتهمت بالتخطيط لمهاجمة الأرتال الأميركية أثناء حرب تحرير العراق عام 2003 من النظام السابق، والذين قدموا للنيابة تحت الضرب والتعذيب، ثم حكم القضاء ببراءتهم، بعدما أثبت أن أقوالهم أمام المباحث والنيابة انتزعت بالإكراه منهم.

كما كشفت التصريحات عن ممارسة نهج اتبعه بعض المنتسبين لوزارة الداخلية، وبسببه أزهقت الأرواح، كروح المواطن محمد الميموني، الذي قُتل باسم القانون، وكاد يُدفن من دون شبهة جزائية، بعدما تواطأ الجناة، واتفقوا على «طمطمة» جريمته، لكن رب العباد أراد إلا أن يكشفهم، ليقدموا للعدالة، ولينالوا جزاء ما ارتكبوه، ومازال بعضهم ينتظر عقابه المقرر بما انتهت إليه الأحكام.

ضرب الناس وتعذيبهم والبطش بهم وركلهم ليس أسلوباً يمارسه الآباء على أبنائهم، وليس أسلوباً شرعياً يسمح باستخدامه، لتغطية فشل الكشف عن الجريمة والمجرمين، وليس أسلوباً تمارسه الدول للقضاء على الجريمة، فالقضاء الكويتي يصرخ بأحكامه، وبأعلى صوته، وبكل درجات التقاضي «لا يهمني يا وزارة الداخلية أن يفلت مجرم من العقاب، بقدر ما يهمني الافتئات على حقوق الناس وحرياتهم».

المتهمون في قضايا عريفجان، وبمقتل المواطن الكندي، وغيرهم من العشرات، وقد يكون المئات، لا أحد يعلم، تعرضوا للضرب والتعذيب، اللذين نبررهما اليوم، ونعتبرهما أمراً شرعياً، لأنه لا أحد يعترف بجريمته، ومع ذلك رغم ضربهم وتعذيبهم واعترافهم بارتكاب ما تريد «الداخلية»، ثم تبيَّن أن أقوالهم تحت التعذيب، وصدرت أحكام ببراءتهم، ليثبت القضاء أن الضرب هو الذي أفشل تلك القضايا، وعلى «الداخلية» البحث عن الجناة فيها، الذين لم يتم ضبطهم حتى اليوم، على الأقل في قضية مقتل المواطن الكندي.

ضرب الناس، لمجرَّد ضبطهم في القضايا الجزائية، للاشتباه بهم، أو حتى اتهامهم لاحقاً، أمر لا يقره الدستور ولا القانون، ولا قبلهم شريعتنا الإسلامية، ونهج يضر باسم الكويت، داخليا وخارجيا، ويزعزع ثقة المواطن والمقيم بأهم مؤسساته القانونية وبرجالها، وحفظ الأمن ومكافحة الجريمة لا يكون بممارسة جريمة أخرى، بل باتباع أساليب وطرق تتوافق مع القانون والدستور.