حسناً فعلت إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي عندما اهتمت بإصدار باقة من الكتيبات السينمائية التي تُثري المكتبة الثقافية العربية، وجاءت الحصيلة كبيرة بالفعل، حيث نال المكرمون في الدورة الحادية والثلاثين (2 – 8 سبتمبر 2015) النصيب الأوفر من الاهتمام، مثلما حدث في كتيبات: «محمود ياسين... رحلة الشقاء والحب» للناقد الفني أشرف غريب، «فاروق صبري.. أحلى أيام العمر» للصحافي سيد محمود سلام، «محمد عبد العزيز... فارس الكوميديا» للناقد السينمائي نادر عدلي، «سوسن بدر.. سمراء من الجنوب» للناقد السينمائي طارق الشناوي، «فاتن حمامة.. العصر الذهبي للسينما» (طبعة جديدة لكتاب الناقد الراحل عبد النور خليل) و{عمر الشريف.. إسكندرية/ هوليوود» للناقد السينمائي وليد سيف.
بالطبع كانت ثمة ضرورة في توسيع الدائرة عبر إضافة كتيبات أخرى تهتم بالسينما بعيداً عن المكرمين، وهو ما حدث مع كتيب «ظواهر التمرد في السينما المصرية» للناقد د. أحمد شوقي عبد الفتاح، وكتيب «سحر الموسيقى في أفلام صلاح أبو سيف»، الذي احتفل المهرجان من خلاله بمئوية المخرج الكبير صلاح أبو سيف (١0 مايو ١٩١٥- ٢٣ يونيو ١٩٩٦) لكن كتيب «42 سنة Anniversary} للناقدد. صبحي شفيق جاء في غير توقيته، إذ كان من المفترض صدوره في اليوبيل الذهبي للجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، التي تُنظم المهرجان، لكن تم التعجيل بتنفيذ الفكرة لأسباب غامضة، وتحت ضغط ظروف مجهولة! المفارقة العجيبة أن إدارة المهرجان، التي تؤكد دورة بعد الأخرى أنها لا تُنصت سوى لصوتها فقط، وقعت في الخطأ الفادح نفسه، الذي أشرت إليه في مقالي عن الدورة الثلاثين، حيث تجاهلت للعام الثاني على التوالي، إصدار كتب عن المكرمين العرب تتولى مهمة التعريف بهم، وبمنجزهم السينمائي الذي كُرموا من أجله، أسوة بما فعلت مع المكرمين المصريين: محمود ياسين، سوسن بدر، المنتج فاروق صبري والمخرج محمد عبد العزيز، فإقدام المهرجان على تكريم السينمائيين العرب هدف نبيل، لكنه لن يُحقق غايته في ظل الإصرار الغريب لإدارة المهرجان على غض الطرف عن إصدار كتب عنهم، أسوة بزملائهم المصريين، والقول إن النجم السوري الكبير دريد لحام ذائع الصيت، وجماهيريته واسعة في العالم العربي، ومن ثم لا يحتاج إلى كتاب للتعريف به، مردود عليه بأن درع التكريم وحده لا يكفي، وكان لا بد من الاحتفاء به بإصدار كتيب أسوة بالمكرمين المصريين!في السياق ذاته، كانت ثمة أهمية قصوى في أن تضع إدارة المهرجان بين أيدي رواد الدورة الحادية والثلاثين كتيبين يُلقيان الضوء على المُكرمين العربيين: الناقد الجزائري أحمد بجاوي ومحمد صارم الحق مدير المركز السينمائي المغربي ونائب رئيس مهرجان مراكش السينمائي، بدلاً من الاكتفاء بالسطور العشرة التي تضمنها {الكتالوغ} - الكتيب الرئيس للمهرجان - عن الناقد {بجاوي} صاحب الإسهامات البارزة في مجال الثقافة السينمائية بالجزائر، الصحافي المستقل، مقدم البرامج التلفزيونية المعنية بالسينما، والرئيس السابق للأرشيف السينمائي الجزائري ومؤلف كتاب {السينما وحرب التحرير... الجزائري معارك بالصور}، الذي صدر في طبعتين إحداهما بالفرنسية والأخرى بالعربية، وهو الأمر الذي تكرر مع المُكرم المغربي الآخر محمد صارم الحق الفاسي الفهري، الذي تساءل كثيرون عن أسباب تكريمه، وربما ربط بعض الخبثاء بين اختياره للتكريم وبين الموقع {الاستراتيجي} الذي يشغله كعضو باللجنة المؤسسة لمهرجان مراكش الدولي، ومدير للمركز السينمائي المغربي، في المنصب الذي خلا بخروج نور الدين الصايل، ولم يعرف سوى القليل من العاملين بصناعة السينما المصرية أو المهتمين بالصحافة السينمائية، أن {صارم الحق} المولود بمراكش في العام 1958، صاحب تجربة سينمائية حافلة، مذ مارس هواية التصوير وهو في الخامسة عشرة من عمره، وتوطدت علاقته بالسينما منذ مطلع الثمانينيات، حيث أسس شركة إنتاج كان لها الفضل في ظهور أول فيلم طويل يحمل عنوان {غراميات} للمخرج لطيف لحلو، وعدد غير قليل من الأفلام المغربية المهمة مثل: {مكتوب} إخراج نبيل عيوش، {سارقو الأحلام} إخراج حكيم النوري و{ملائكة الشيطان} لأحمد بولان.يبدو الأمر وكأن ثمة إصراراً وترصداً في ما يتعلق بمسألة تجاهل طبع كتيبات عن المكرمين العرب، بدليل أن الدورة الثلاثين (10 - 16 سبتمبر 2014) شهدت تكريم ما يقرب من خمس شخصيات عربية، على رأسهم التونسي الطيب الوحيشي السوري محمد ملص والجزائرية نادية شرابي والفلسطيني هاني أبو أسعد، ورغم هذا اكتفت الإدارة بإصدار كتب عن المكرمين المصريين: داود عبد السيد ونادية الجندي، بل إن المفاجأة تمثلت في إصدار كتابين عن محمد منير في الدورة نفسها!
توابل - سيما
«نصف العمى»
18-09-2015