أكّد الأديب عادل سعد، مؤلف «رمضان المسيحي»، أن وقائع روايته حقيقية، وهي تتناول العرب عموماً والمصريين خصوصاً الذين يهاجرون إلى أوروبا، هرباً من ضيق العيش والفقر، ويخضعون لسطوة أفكار التحول الفكري والديني، مشيراً إلى أنه ليس ضد فكرة التحول، لكنه يعارض استغلالها إعلامياً بشكل متطرف. حول الرواية وما تثيره من قضايا شائكة ومسيرته وأعماله كان هذا الحوار.

Ad

يبدو العنوان «رمضان المسيحي» مستغرباً. هل ترى أنه قد يجعل للرواية نصيباً أكبر على مستوى النقد والقراءة؟

يبدو العنوان غريباً، لكن الرواية عن وقائع معظمها حقيقية، ولعل هذا ما دفعني إلى كتابة صفحة غلاف الرواية الأخيرة عن اللحظات الفارقة في حياة رمضان، وتحوله من مسلم إلى مسيحي في الكنيسة اليونانية أمام عدسات التلفزيون. العنوان إذاً حقيقي وليس خدعة هدفها الترويج، وهذا فعلاً حقق مزيداً من الاهتمام على مستوى النقد والقراءة.

الأسلمة والتنصير منطقة شائكة، لماذا اخترت الدخول فيها؟

لا أكتب من الخيال، ولم أختر ذلك.

ما حدث كان حقيقياً، إلا  أننا نسكت عنه مثل كثير من قضايا حياتنا العربية التي لا نتحدث عنها، لكن الفارق في التوقيت، وتلك الحوادث التي عايشتها تجددت في رأسي مع تصاعد موجات تنصير اللاجئين السوريين في أوروبا استغلالاً للمحنة، وتزايد موجات أسلمة النصارى الأوروبيين والأميركيين في داعش استغلالاً للضياع الغربي. والجزء الأخير أمر يبدو محيراً للعالم، فأشرس كتيبة نسائية في داعش معظمها نساء بريطانيات في منتهى القسوة والتطرف. لست معارضاً لفكرة التحول، لكن أعارض استغلالها إعلامياً بشكل متطرف، كما يحدث في الغرب المسيحي والشرق المسلم.

تمرّد البطل على دينه ووطنه وحياته الأولى. هل هذا هو الحل الوحيد للهروب والفكاك من الفقر وضياع المستقبل؟

رمضان المسيحي ليس بطلاً، ولم يعد في العالم من يستحق ذلك. رمضان أحد الوجوه العربية الكثيرة الضائعة في أوروبا. هو {قمشجي} بمعنى {عربجي}، لا عربة لديه ولا حصان. عاش ظروفاً مريرة، وأرسل لأهله خطاباً من اليونان بأنه مات. هو لا يعرف المستقبل ولا الفكاك منه ولا مصطلحات المثقفين، بل يتذكر المهانة التي عاشها في مصر، وكي يضمن ألا يعود إلى تلك النار أبداً قرر التنصر والحصول على لجوء سياسي.

لماذا اخترت أن يكون البطل من إحدى محافظات صعيد مصر؟ هل الجنوب دائماً الأكثر عرضة للأزمات؟

الرواية بلا بطل، لكنها كلها تدور في عقل الراوي الصعيدي، الذي يحكي تجربة السفر إلى اليونان مع مجموعة شباب صعايدة. الصعيد في مصر الأكثر فقراً، لكن الغريب أنه ما زال الأكثر تماسكاً، والصعايدة الذين سافروا إلى أثينا لم يصطدموا فحسب بحضارة الغرب بل أيضاً بالمصريين المقيمين هناك. الرواية رحلة لكنها لا تنتمي إلى أدب التشريفات والبعثات المعتاد، عندما يستغرق طالب البعثة في وصف تاريخ البلد والمتاحف والمسارح... إلخ، تلك رواية رحلة لكن في الاتجاه المعاكس، صعايدة سافروا للبحث عن لقمة العيش، ولا تعنيهم حضارة أثينا ولا غيرها.

في روايتك مصريون يهربون من وطنهم ويريدون الحصول على جنسيات أخرى ويونانيون رفضوا ترك مصر بسهولة... هل هذا التباين حقيقي أم أنه مجرد حبكة روائية؟

ثمة شخصيات حقيقية. ليلى البورسعيدية القبطية والتطرف اليوناني ضدها قصة حقيقية، وهي تملك الآن أكبر مطاعم منطقة ميناء بيريا في أثينا. ورمضان المسيحي حقيقي وإن كنت لا أعرف ما مصيره الآن؟ وكواستيلو عازف البوزوكي الشهير وقائد فرقة محمد فوزي في الأربعينيات شخصية حقيقية، وهزني فعلاً وهو يغني في المطعم: {يا مصطفى يا مصطفى.. أنا بحبك يا مصطفى}، حزناً على فراق مصر.

رأى البطل أن حياته في مصر كانت كـ {النار} بسبب الأزمات التي تعرض لها بشكل يومي، أما حياته في اليونان فرأها كـ {الجنة}، ألا ترى مبالغة في ذلك؟

لا توجد أية مبالغة، وتلك العبارة التي تلخص موقفه، تحديداً سمعتها منه فعلاً: {دين ربنا قال في جنة وفي نار... الجنة هنا والنار هناك في الأوضة الحر وعيالي ومراتي وأمي وخنق الأتوبيس}. لكن الصراع يأخذ بعداً آخر، لأن رمضان تنصّر ظاهرياً، واعتقد بذلك أنه ضحك على الأوروبيين.

صدرت {رمضان المسيحي} من مؤسسة حكومية {دار الهلال}. كيف ترى اهتمام الدولة بنشر الأعمال الأدبية، وهل استحوذت دور النشر الخاصة بشكل كامل على إصدار الأعمال الأدبية؟

تأسست روايات {الهلال} عام 1948، وهي اسم معروف عالمياً، ويكفيني شرفاً أن أنشر مع شتاينبك وديستويفسكي وزولا ومورافيا في السلسلة نفسها. وللأسف تراجع دور الدولة كثيراً في النشر، أو بمعنى آخر تراجعت الإصدارات من نواحي الطباعة ونوعية الورق وجاذبية المنتج والترويج، وتتاجر دور النشر الخاصة الآن بالثقافة، وتروج لأعمال لا ترقى إلى أي مستوى فكري، وتساعد على تغييب المجتمع.

ما المعوقات التي تواجهك كمبدع؟

تواجهني فكرة أن أكتب عن الواقع، وعن تجارب حقيقية. نعاني مجتمعاً أدبياً رخواً حيث اعتاد الأدباء الكتابة من خلف المكاتب المكيفة، ونشر قصصاً لا يصدقها أحد. يهرب هؤلاء غالباً إلى الكتابة عن التاريخ والتهويم في خيالات. اتهمني بعضهم بأن {رمضان المسيحي} ليست رواية، وإنما تحقيق صحافي كبير في 125 صفحة، مما ساعد على لهاث الحوادث، وأسعدني هذا جداً مع أنه غير حقيقي، لأن هذا معناه أنني أقنعت من يقرأ بأن تلك الحوادث والشخصيات حقيقية.

هل ترى أن الجوائز الأدبية في العالم العربي غير منصفة وتذهب إلى أشخاص معينين نتيجة المجاملات؟

نعم هذا صحيح جداً، ودور النشر الكبرى تتلاعب بها وتقوم بدور مشبوه في هذا  الشأن، لكن تلك الفقاعات الأدبية يصنعونها وتتمدد وتتمدد وتنفجر في النهاية بلا معنى وينساها الناس.

هل توافق على مقولة {الصحافة مقبرة الأدباء}؟

الصحافيون أنبل من الأطباء والشيوخ والقسس، ويموتون كل يوم دفاعاً عن الحقيقة. كان ماركيز صحافياً وهيمنغواي أيضاً. في الصحافة أوحال الدنيا، تراها بعينيك وأحياناً تخوض فيها. لكن الصحافة لغة سهلة مباشرة، وكل هذا ضد لغة الأدب، من ناحية الكتابة، والأديب عندما يستغرق في العمل الصحافي يبدو وكأنه يعمل ضد نفسه. لكن دعنا نعترف بأننا نعيش في عالم عربي بوليسي لا يهتم بالأدب، ولا يقرأ، ولا يحمي أحداً. عموماً، أكتب ما أريد بلا قيود.