الحياة كما أفهمها ليست سوى اختيار مساحة من الفضاء نتنفسها لأنفسنا، والمهتدون هم الباحثون عن فضاء يرتضون أن يتشاركوه مع شيطان رحيم! شيطان يعرف لدرجة اليقين أن الفرق بين الملائكة والشياطين، إنسان ذو رجيم طاهر!

Ad

الطهر فقط البضاعة التي يمكن أن تقايض بها الشياطين بالرحمة من ألا يحرضوك على التآلف مع أعمال شيطانهم الرجيم، وألا تعمى عيناك لأنه عدو مبين، وليس هناك أشد عداوة ممن يحاول سرقة كرامتك الإنسانية، ولا أشد محبة ممن يمنحها لك! العدو الحقيقي من يتمنى لك العيش الكريم.

ذنب عظيم علينا أن نهين النفس التي كرم الله بأن نحلم لها بأقل من تلك المساحة من الفضاء في الحياة!

الإنسان ليس ملاكا ولا شيطانا، ولن يكون قط أحدهما، وإنما هو بهما معا، وحتى نتيقن من أننا لا نرتكب مثل ذلك الذنب بحق إنسانيتنا، يجب أن نختبرها من خلال شياطيننا قبل أن نلعن الشياطين!

شياطيننا هي التي تحدد إنسانيتنا التي نحب أن نكون عليها، والحياة الكريمة التي نرتضيها لها! الحياة التي نتمناها لها ونصر أن تحصل عليها!

من المهين أن نرتضي لإنسانيتنا أقل من العيش الكريم!

أقل من ذلك يعني أن نرتضي لها أن تعيش في دنيا لا يفصل بينها سوى خيط رفيع والدناءة!

هو الحد الأدني الذي نرتضيه لها.

ما دون العيش الكريم ليس سوى ما هو دون، يقودنا له سوء الظنون،

من المذل أن ننزل النفس الكريمة في حياة ليس بينها سوى خيط رفيع والدناءة!

أن نختار لها مثلاً حبيباً دنيئا! أو زوجا سيئاً!

أو أن نتخذ عدوا لها صديقاً صادقاً مخلصاً لنا أمينا!

ذلك ذنب قد نرتكبه خطأ - ويحدث ذلك أحيانا - ولكن علينا ألا نجعله خطيئة، الشياطين الرجيمة تدفعنا لارتكاب الأخطاء بحق أنفسنا، فعلينا ألا نستمرئ طعمها لتصبح خطيئة!

تلك الشياطين شريرة تكرهنا للحد الذي تنتقي لنا أكبر الأخطاء شرا وتزينه لنا، وإن لم تك تلك الشياطين شريرة فهي في أخير أحوالها إما غبية لدرجة الفساد، أو ذكية لدرجة الخبث!

إذ كيف تفكر في أن تقنعنا بأن نحمل كل هذا الشر لأنفسنا بألا نتمنى لها العيش الكريم، ولو حتى أمنية؟!

ليست الأماني فقط هي ما يعرينا ويفضحنا، ولكن موقفنا منها أيضا!

الأماني ليست فقط الثمر الذي يسقط من شجرة الحياة، وإنما أيضا ما سقط من ورق توت قلوبنا ليعريها!

الأماني فضيحة الروح، فكيف لا تتمنى نفس بشرية سوية ولو حتى كأمنية أن تعيش حياة كريمة؟!

والحياة الكريمة التي تستحقها أنفسنا ليست طاهرة لدرجة أن توصف بالملائكية، ولكنها تلك التي لا تخلو من شيطان رحيم، لنتمكن على الأقل من اختيار شياطيننا، إذا كان لابد في الحياة من أن نتعايش معها!

إن الله أكرم الإنسان بنعمة الاختيار، وهدانا النجدين، ولا قيمة لأن يكون لديك خياران وليس لك حق الاختيار بينهما؟! إذ ما معنى أن يهدينا الله النجدين إذا لم يهبنا حرية الاختيار بينهما؟!

الاختيار هدية مقدسة، فيجب ألا نفرط فيها، حتى في انتقائنا لشياطيننا!

اختيار الإنسان لشياطينه هو الذي يعكس مدى الشر الذي يحمله ضد نفسه، فلنحسن اختيار شياطيننا، فنختار التي لا ترتضي مهما بلغ شرها دون الكرامة لإنسانيتنا!

الملائكة التي تسكن كل نفس بشرية لا تحتاج إلى حسن اختيار، بل الشياطين التي تسكنها فقط!