شركات البترول الغربية أمام الخيار الصعب
مع افتراض أن تصيب عوامل تطوير الزيت الصخري وضغوط البيئة والتقدم في ميدان الطاقة النظيفة، منظمة «أوبك» بالشلل، فإن تداول النفط سيتم الآن كأي سلعة في أسواق تنافسية عادية، كما كان الحال بين عامي 1986 و2005.
يمكن لبعض الشركات النفطية مثل "إكسون" و"شل" و"بي بي" التوقف عن عمليات الاستكشاف وتوفير المعدات والمعرفة والتقنية الى الدول المنتجة للنفط.ونظراً لأن أسعار النفط استقرت في الوقت الراهن ضمن مستوى يراوح بين 30 و50 دولاراً للبرميل في الأجل الطويل فإن مستخدمي الطاقة في كل مكان من العالم يتمتعون بزيادة سنوية في الدخل تساوي أكثر من تريليوني دولار، ومن شبه المؤكد أن يفضي ذلك إلى تسريع النمو الاقتصادي العالمي لأن المستفيدين من عملية إعادة الدخل الواسعة هذه هم في الغالب من العائلات ذات الدخل المتدني أو المتوسط التي تنفق كل ما تجنيه من مال.
وسوف يكون هناك طبعاً بعض الخاسرين الكبار- وبشكل رئيسي الحكومات في الدول المنتجة للنفط – التي سوف تستهلك الاحتياطيات وتقترض من الأسواق المالية لأطول فترة ممكنة، بدلاً من خفض الانفاق العام، وسوف يكون ذلك، بعد كل شيء، أسلوب رجال السياسة المفضل وخاصة عندما تخوض بلادهم الحروب وخلال تحديهم للضغوط الجيوسياسية أو حين يواجهون ثورات شعبية.تباين معدلات الخسارةولكن الخسائر لن تكون متساوية بالنسبة الى كل منتجي النفط، وقد عمدت احدى المجموعات الى تحقيق خفض حاد، إذ أعلنت شركات النفط الغربية خفضاً في عمليات الاستثمار يساوي حوالي 200 مليار دولار في هذه السنة. وقد أسهم ذلك في حدوث ضعف في أسواق الأسهم على صعيد عالمي، وعلى الرغم من ذلك، وفي شيء من المفارقة، فإن مساهمي شركات النفط قد يستفيدون بشكل جيد من هذه الفترة الجديدة من النفط الرخيص.ولكن يتعين لتحقيق ذلك تلبية شرط واحد يتمثل في أن على ادارة شركات الطاقة الكبرى مواجهة حقيقة اقتصادية والتخلي عن استحواذ فكرة العثور على نفط جديد، وتجدر الاشارة الى أن أكبر شركات النفط التي يصل عددها الى 75 شركة لا تزال تستثمر أكثر من 650 مليار دولار سنوياً من أجل اكتشاف واستخراج الوقود الحفري في بيئة أكثر تحدياً، وكان هذا أحد أسوأ مظاهر سوء تخصيص رأس المال في التاريخ، والذي كان ممكناً من الوجهة الاقتصادية بسبب أسعار الاحتكار المصطنعة فقط.ولكن هذا الاحتكار واجه فترات صعبة، وبحسب افتراض أن يبقي المزيج المكون من تطوير الزيت الصخري وضغوط البيئة والتقدم في ميدان الطاقة النظيفة منظمة أوبك في حالة شلل، فإن تداول النفط سوف يتم الآن مثل أي سلعة اخرى في اسواق تنافسية عادية، كما كان الحال في الفترة بين سنة 1986 و2005. ومع تقدير المستثمرين لهذه الواقعية الجديدة فإنهم سيركزون على مبدأ أساسي في الاقتصاد وهو التسعير الهامشي للتكلفة.وفي الأسواق التنافسية العادية سوف يتم تحديد الأسعار عبر تكلفة انتاج برميل اضافي من حقول النفط الأرخص، وهذا يعني أن كل الاحتياطيات في المملكة العربية السعودية وايران والعراق وروسيا وأميركا الوسطى سوف يتم تطويرها بشكل تام، ثم استهلاكها قبل أن يقوم أحد بعملية استكشاف في المنطقة القطبية او خليج المكسيك أو ساحل البرازيل الذي يمتد لمئات الأميال.وعالم الواقع طبعاً ليس بمثل بساطة القواعد الاقتصادية وتعني التوترات الجيوسياسية وتكلفة النقل وازدحام البنية التحتية أن الدول المستهلكة للنفط ترغب في دفع قسط أمن الطاقة بما في ذلك تجميع الامدادات الاستراتيجية في أراضيها. محنة «أوبك»وعلى الرغم من ذلك فإن المحنة التي تواجه منظمة أوبك تعني تطبيق المبدأ الواسع، إذ لم يعد في وسع شركات مثل اكسون موبيل وشل وبي بي أن تأمل في التنافس مع الشركات السعودية والايرانية أو الروسية التي تملك الآن امكانية الوصول الحصري الى الاحتياطيات التي يمكن استخراجها بالطرق القديمة. وتقول ايران، على سبيل المثال، إنها تستطيع انتاج النفط بتكلفة تصل الى دولار واحد للبرميل، كما أن احتياطياتها التي تحتل المركز الثاني بعد السعودية في الشرق الأوسط سوف يتم تطويرها بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.وبالنسبة الى شركات النفط الغربية سوف تتمثل الاستراتيجية المنطقية في التوقف عن عمليات استكشاف النفط والسعي الى تحقيق أرباح من خلال توفير المعدات والمعرفة الجيولوجية والتقنية الجديدة – مثل التكسير الهيدروليكي – الى الدول المنتجة للنفط. ولكن هدفها النهائي يجب أن يكون بيع احتياطياتها الحالية من النفط في أسرع وقت ممكن وتوزيع التسونامي الناجم على مساهميها الى أن تنضب كل حقولها النفطية المتدنية التكلفة.استراتيجية شركات التبغكانت تلك استراتيجية التسييل الذاتي التي اتبعتها على وجه التحديد شركات التبغ لفائدة مساهميها، وإذا رفضت ادارات النفط التوقف عن العمل بالطريقة ذاتها فإن المساهمين يمكنهم ارغامها على ذلك، واذا رفع كونسورتيوم من المستثمرين مبلغ الـ 118 مليار دولار اللازم من أجل شراء شركة بي بي – حتى عند سعر سهمها الحالي – فإنها قد تبدأ على الفور بتصفية موجوداتها البالغة 10.5 مليارات برميل من الاحتياطي المؤكد الذي يساوي أكثر من 360 مليار دولار حتى بالسعر الحالي الضعيف بـ36 دولاراً للبرميل.يوجد سببان حالا دون حدوث ذلك حتى الآن، إذ لا تزال ادارات شركات النفط تعتقد بفرص رفع الأسعار وزيادة الطلب. ولذلك فهي تفضل هدر المال سعياً وراء احتياطيات جديدة بدلاً من زيادة نصيب المساهمين من النقد، وهي تستبعد أيضاً الاستراتيجية الوحيدة الممكنة والمتمثلة في تحول الاستثمار من استكشاف النفط الى تقنيات طاقة جديدة تستبدل في نهاية المطاف الوقود الحفري.إن اعادة توجيه نصف الخمسين مليار دولار التي يحتمل أن تنفقها شركات النفط في هذه السنة على استكشاف احتياطيات جديدة سوف تحقق أكثر من ضعف العشرة مليارات دولار التي يمكن تخصيصها لعمليات بحوث الطاقة النظيفة التي أعلنتها في الشهر الماضي 20 حكومة في مؤتمر تغير المناخ الذي انعقد في باريس، ومن شبه المؤكد أن تكون العوائد المالية من مثل هذا الاستثمار أعلى بكثير من عمليات استكشاف النفط.* أناتول كاليتسكي | Anatole Kaletsky