دائماً على الإنسان العادي الطبيعي، قبل أن يقدم على أي قرار كبير ومصيري، أن يعرف قدراته وإمكاناته، وهل بوسعه الوصول إلى الهدف المحدد أو لا؟ وغيرها من الأمور البديهية... هذا في حالة الإنسان العادي الطبيعي، فما بالك بقرارات دول، قرارات تكتب بالدماء، ويصرف من أجل تنفيذها المليارات، وليس فقط الملايين من الأموال، وتستخدم بها أقوى وأحدث أنواع الأسلحة؟ فقرار مثل الحرب هو قرار دولة، وليس قراراً بتناول وجبة ساخنة في مطعم على شارع الخليج العربي!

Ad

أقول هذا، والمنطقة كالعادة، أخص الشام، تتعرض ملفاتها الدموية لتطورات جديدة وقصص ليست كأي قصص، فروسيا بجلالة قدرها دخلت الحرب، وبعد أن كان وجودها على استحياء، أصبح على طريقة "اللي مايشتري يتفرج"!

والكاتب الأميركي اليهودي توماس فريدمان علق على الورطة الروسية في مقاله أمس في نيويورك تايمز، وهو مقال يمتلئ شماتة في روسيا وبوتين، حيث كتب: "لكي نساعد بوتين على النزول من الشجرة عليه حينئذٍ أن يقبل بخروج الأسد من الحكم".

أمام هذا السطر في المقال السابق ذكرت ولمّحت إلى أن هدف روسيا الرئيسي من دخولها الحرب السورية هو إبعاد النظر عن أحداث أوكرانيا وما يجري في القرم، ومساومة الولايات المتحدة على طريقة "سيب وأنا سيب"، فأوكرانيا تعني للدب الروسي شيئاً كبيراً أكبر من سورية، وحتى الشرق الأوسط، وما يجري من تدخلات عسكرية روسية في الشام هو بعين واحدة بينما العين الأخرى شاخصة نحو كييف وما حولها، أي أن المسألة كلها سياسة في سياسة، وحرب مصالح، ولا يجعلنا ذلك ننكر الوقفة الكبيرة لروسيا بوتين مع النظام البعثي والرئيس الأسد التي لولاها لربما كان الأسد الآن جزءاً من الماضي!

فلنترك ذلك جانباً، ونتحدث بصراحة عما يجري من تحركات سياسية ودبلوماسية (سعودية بالأساس) لتوحيد الجهود باتجاه إنهاء حقبة حكم الأسد، وواضح عدم وجود الحماس الكبير لحلفاء السعودية، ولا أقول "مجلس التعاون"! الذي تبدو مواقف دوله متذبذبة في الموضوع هذا بالذات، بينما السعودية تعلنها جهاراً نهاراً بالسعي إلى إسقاط حكم الأسد!

التشدد السعودي، إن لم يبنَ على معطيات أرضية مؤثرة، فهو خطأ كبير، فواضح أن هناك انقساماً في مواقف الدول الخليجية بخصوص حكم الأسد، والسعودية وبعض دول الخليج تخوض حرباً في اليمن، وأمس استطاعت تحرير باب المندب، وهو منطقة ذات بُعد استراتيجي محوري لا يستهان به، وأعيد وأكرر: على دول التحالف العربي أن تنهي الحرب في اليمن بأسرع ما يمكن، فالحسم أصبح حاجة لا ترفاً، وكلما طالت فترة الحرب زاد الاستنزاف، بسبب حرب شبه محسومة لكنها لم تحسم في الحقيقة، ولا أعلم ما السبب في عدم الحسم أمام عدو ليس بتلك القوة المؤثرة (ميليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح).

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير صرح، تحت المطر، بكلمتين عندما سأله أحد الصحافيين عن التدخل العسكري في سورية، بقوله: "ننتظر ونشوف"!

أعود إلى عنوان المقال وفكرته التي بينت فيها أن العاقل خصيم نفسه، كما أن الجاهل عدو نفسه، فللإقدام على أي تدخل عسكري في سورية من قبل قوات التحالف العربي يجب أولاً تخليص حرب اليمن، ومن ثم قياس قوة حقيقي لمعرفة القدرات التي تؤهل دول التحالف العربي لإسقاط الأسد،

في النهاية المنطقة تشتعل من جديد، والجهود العسكرية الروسية ستصب في العراق بعد سورية، والعذر الآخر هو "داعش" وبسبب داعش، هذه الصنيعة المخابراتية القذرة ستكون القاذفات الروسية على بعد 1500 كيلو عن دول مجلس التعاون!، والسعودية انتبهت إلى ذلك، ودانت رسمياً الوجود الروسي في سورية.

لن أطيل، لكن خروج روسيا من مستنقع سورية سيكون على طريقة دخول الحمام، أكرمكم الله، وعلى دول مجلس التعاون اتخاذ موقف موحد حقيقي، وليس مائعاً، فالخطر على الجميع، وإدارة أوباما لا يعول عليها أبداً، ويقال قديماً: "اللي ماينفع نفسه محد ينفعه"!

● قدر الله وفتحت حساباً في "تويتر"، وهو مخصص لمقالاتي هنا أو "عرب تايمز" أو جريدة "آفاق" الجامعية، وأتشرف بمتابعتكم جميعاً وعنوان الحساب هو

(twiter@alzmi1969)