التشكيلي رضا عبد السلام: أنا مغرم بتدوير الأشياء وكل عمل يحمل مقومات نجاحه

نشر في 08-12-2015 | 00:01
آخر تحديث 08-12-2015 | 00:01
قدّم التشكيلي المصري د. رضا عبد السلام أحدث معارضه التشكيلية بعنوان «البحث عن البهجة في الأزمنة المنسية» مستعيناً ببعض الأشياء والأدوات المستهلكة بعد تدويرها، كاشفاً عن أبعادها الجمالية والنفعية». ويؤكد عبد السلام ضرورة تقبّل الواقع للفن المعاصر والفكر الجديد، الذي سيقوده إلى خطوات مهمة نحو المستقبل.
كيف عملت على إعادة تدوير الأشياء كاشفاً عن أبعادها الجمالية في معرضك الأخير؟

اعتدت الحفاظ على الدعوات الخاصة بي لمعارض الفنانين منذ السبعينيات حتى الآن. لم أفرط فيها لأنها جزء من التاريخ يوثق مراحل زمنية مهمة في الحركة التشكيلية، فاهتديت إلى فكرة تجميع هذه الدعوات وتوظيفها في الطبالي. علاوة على أننا نشأنا على الطبلية البلدي ثمة من يستخدمها إلى اليوم في الأماكن الشعبية والأرياف، وهي أصبحت جزءاً من فلكلورنا وهذه الوظيفة النفعية لها، لذا فكرت في العنصر النفعي الوظيفي مع العنصر الجمالي واستخدامها في الوقت نفسه.

كيف تتعامل مع الألوان عادة وكيف تساهم في جمالية لوحاتك؟

الألوان بالنسبة إلي عشق. أذهب أحياناً إلى سوق الخضراوات والفاكهة وأشعر بانبهار شديد من طريقة فنية يرّص البائع المنتجات بها. واللوحة بالنسبة إلي منظومة لونية، لكن لا بد من أن يكون لها معنى وتعبّر عن فلسفة خاصة. اللون بقدر ما هو عنصر أساسي لأي مصور لكنه يكتسب مضمونه الجمالي والتشكيلي والفكري من طريقة معالجة الفنان له، والأمر قد يبدو مختلفاً مع التعبيرية التجريدية حيث يتم التعامل مع اللون باعتباره موضوعاً بحد ذاته. اللوحة لدي مزيج بين التعبير والرمز، وبالتالي يكتسب اللون لدي مضمونه من معالجتي له وشغفي به.

ولكن هل الفكرة الأهم لديك في اللوحة أم اللون؟

 لا أفضل عنصراً على آخر، لأن العمل الفني لا بد من أن تحكمه قيمه ومقومات نجاحه. عندما أعمل وأجد طغيان اللون على المحتوى التشكيلي أتوقف أو أعيد النظر إليه، ولست من الفنانين الذين يهتمون بالفكرة من الأساس لأني كمن يغامر في فضاء بعالم مجهول لا أعرف بدايته من نهايته. أكتشف سحر الكون والأشياء. تكمن الذات داخل وخارج عالمين متباعدين لكن تجمعهما قواسم مشتركة. من هنا، لا أبحث عن الفكرة، بل يشكّل اللون لي ألف باء التشكيل، وهو الخبرة والتراكمات، ولكني أعمل على محور معين.

 

 ألا ترى أن مكانة اللوحة تراجعت في ظل الممارسات الفنية المعاصرة؟

مطلقاً، مثلما ظهرت الفوتوغرافيا في أواسط القرن التاسع عشر انزعج التشكيليون لاعتقادهم بأن الكاميرا ستحل محل الرسم، هي التي تستطيع أن تحفظ اللقطات والتفاصيل وتختصر الزمن، ولكنها على العكس ساعدت على ابتكار اتجاهات أخرى جديدة في الفن مثل الانطباعية والتعبيرية والتجريبية وغيرها. بالتالي، ساعدت التقنيات الحديثة الفنان في تقديم مجالات أخرى مثل الفيديو آرت، والتصوير الضوئي تلاها {الديجيتال آرت}، وفن الكاميرا المحمولة عن طريق الهواتف النقالة وأصبح يقُام له معارض وبيناليات. ذلك كله لم يؤثر على اللوحة المعلقة أو التمثال والآنية الخزفية، بل أثرى المجال ودفع الفنانين للبحث عن التجديد والاستمرار.

ولكن كيف يحافظ الفن المعاصر على اتصاله بالواقع على جميع المستويات؟

ليست مسؤولية الفن المعاصر الحفاظ على اتصاله بالواقع، ولكن العكس صحيح، من المفترض أن يتقبّل الواقع الفن المعاصر والفكر الجديد. لدينا مشكلة في مصر حيث يوجد مجتمع شبه محافظ اعتاد على أمور بعينها فأصبحت مقدسات بالنسبة إليه، عندما تتمّ مناقشتها أو طرح جديد يرفضه لأنه لا يريد أن يهزّ أحد ما اعتاد عليه لأنه شعب نمطي، وهذه ليست مسؤولية الفنان الذي له الحق في تقديم ما يحلو له، وعلى الواقع نفسه ممثلاً في أشخاصة أن يتفهم ذلك، وهذا يتأتى بالقراءة والمتابعة والتذوق وهي مسؤولية جهات متعددة. من ثم ستكون إجابتي أن على الواقع أن يتقبّل الحداثة كما هي وأن يضيفها إليه لأنها ستقوده خطوات نحو المستقبل.

نقاط فاصلة

تكون رحلة الفنان التشكيلي غالباً مسكونة بنقاط فاصلة ولحظات تحول، فما هي أبرز محطات وتموجات هذه الرحلة لديك منذ البداية وحتى الآن؟

مررت بأربع محطات في غاية الأهمية. تتمثّل البداية في النشأة، فأنا أنتمي إلى بيئة ساحلية حيث محافظة السويس. بالتالي، كان إنتاجي عن البحر والشاطئ والمراكب غزيراً قدمت من خلاله معارض عدة. كذلك عملي في شركة أبورديس كميكانيكي سيارات، بعد أن تركت دراستي بدبلوم الصنايع. بدأت من الصفر حتى أصبحت {أسطى} خلال أربع سنوات فكانت تجربة ثرية. اغتربت وأنا شاب وعانيت منذ الصغر متحملاً المسؤولية في الصحراء، لكنني استفدت كثيراً وأشتد عودي. تمثلت المحطة الثالثة في الصاعقة، خلال وجودي بالجيش وعندما حدثت هزيمة 1967 وأنا ابن السويس، واحتل الجيش الإسرائيلي الضفة الثانية فهاجرت أسرتي ولكني رفضت الهجرة والتحقت بالدفاع الشعبي والمقاومة لحمل السلاح والحفاظ على بلدي. وبعد ثلاثة أشهر قدمت نفسي للتجنيد، والتحقت بالصاعقة في القوات الخاصة بالكوماندوز. تتمثّل المحطة الرابعة بعملي في الصحافة طيلة ثلاثين عاماً، ثم عملي الأكاديمي. عشت في الصحراء للعمل أربع سنوات وأربعاً أخرى في الجبهة للحرب. تجربة شاقة ولكنها مفيدة لي. كنت شاهداً على عصر منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى الآن.

إلى أي مدى ترى وضعية الفن التشكيلي وبصمتك الخاصة داخله؟

 

أعتقد أن هذا هدف أي فنان بعد تخرجه، ومع ممارسته العمل الفني وإنجاز الكثير من الأعمال كماً ونوعاً تظهر ملامحه، وهو ما يتوقف على موهبته وثقافته. لكن الأمر المؤكد أن الفنان لا بد من أن تكون له شخصية مميزة، وهذا يأتي بتقادم ممارسة الفن. ربما تكون لي ملامح في معارضي الأولى تميزني عن أقراني لكن ماذا بعد عشرين عاماً؟ فالريادة لا بد من أن تستمر. عموماً، أعتقد أنه بعد سنوات من العمر أصبحت لي ملامح فنية متنوعة، ولكني أترك الحكم والتقييم والتصنيف للنقاد. إلا أنني أستطيع القول بأن لي ملامح تميزني لأن لدي إنتاج كمي ليس بالقليل ومتنوع، وفي الوقت نفسه من خلال متابعتي حركة الفن الإقليمي والعالمي، ما يجعلني أؤكد أننا لسنا أقل من أي فنان عالمي بل ربما نتجاوزه. ولكننا للأسف نفتقد إلى الانتشار العالمي. يجد الفنان في الخارج كماً من المطبوعات العالمية التي تصدر عنه ومؤسسات ترعاه وتهتم به في حين نفتقد في مصر إلى ذلك. يلعب الخليج اليوم هذه السياسة لنشر الفن، الفنان مثل السلعة يحتاج إلى التسويق الجيد والدعاية كي يكون عالمياً.

back to top