لم يشأ السياسي العراقي المثير للجدل أحمد الجلبي أن يرحل بصمت، كما ظن كثيرون حضروا تشييعه الحاشد مطلع الشهر الجاري، فقد سارع قبل نحو أسبوع من وفاته المفاجئة، حيث كان يتمتع بصحة ممتازة، وهو في الـ٧١ من عمره، إلى توزيع بضع نسخ من ملف تحقيق مالي ضخم، على مرجعيات دينية ومؤسسات صحافية، وبعض أصدقائه.
ورغم أن الصحافة بدأت تتداول بعض ما أنجزه الجلبي من تحريات حول ٣٠٠ مليار دولار خرجت من العراق بطرق ملتوية خلال آخر ٨ أعوام، فإن كبار الزعامات في البلاد لم تدل بأي تعليق، باستثناء تصريحات رسمية باهتة من مجلس القضاء الأعلى الذي وعد بالنظر فيها، إلى جانب تأكيدات مقتضبة من البنك المركزي حول وجود تحقيق رسمي، وعقوبات وشيكة.إلا أن الجلبي، الذي كان يرأس اللجنة المالية في البرلمان، وأمضى حياته يزاوج بين العمل المصرفي والسياسة، حيث ارتبط اسمه بإقناع واشنطن بإطاحة صدام حسين، كشف عن تفاصيل أخطر من أن تعالج بتحقيق عابر أو عقوبات سريعة. ففي واحدة من الوثائق، أثبت أن مصرفاً عراقياً مملوكاً لشخص حليف لنوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، حول ٦ مليارات دولار خلال سنتين، عبر ٣٠ شركة صرافة مالية، لكن ٢٣ شركة منها لم تكن مسجلة رسمياً، وتحمل أسماء بدت مضحكة وأثارت السخرية بين الجمهور الناقم على الفساد والعجز المالي.وطرح الجلبي أسئلة كبيرة من قبيل: من العراقي الذي يمتلك ٦ مليارات دولار دفعة واحدة ولا يعرفه أحد؟ وما مصدر الأموال؟ هل العمولات الفاسدة والرشا الضخمة التي كان المسؤولون يقتطعونها من المشاريع العملاقة؟ ولماذا يوافق البنك المركزي على تحويل مبلغ ضخم كهذا عبر ٢٣ شركة أسماؤها مضحكة وهزلية وغير مسجلة؟ وكيف جرى تحويل 300 مليار دولار بالطريقة ذاتها دون اعتراض من أحد؟ويعرف الصحافيون أن هذا الملف، الذي يتضمن عشرة آلاف صفحة، كما يقال، جرى إعداده بفضل رصد استمر ٤ أعوام على الأقل، وأنجز على ما يقال بالتعاون مع جهات محلية وأخرى دولية، مثل مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي الذي حصل كما يبدو على نسخة من الملف.لكن العراقيين الناقمين بشدة على أحزابهم، لا يتفاءلون بإمكانية أن ينجح القضاء العراقي في محاسبة الفاسدين الكبار، لأنه قضاء ضعيف ومتحالف مع مافيات الفساد أو يخشى بطشها كما يعتقدون.أما الأخطر من هذا فهو صمت «كل الزعماء». إذ لم يعلق أحد منهم تقريباً على محتوى الوثائق والتحقيقات. والتفسير السائد لهذا في الأوساط البغدادية أنه لا أحد يستطيع تحويل 300 مليار دولار بطرق غير مبررة، إلا أحزاب السلطة الكبيرة. وإذ كان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي شكل «كارتيلا» يهيمن على معظم تلك الأموال، فإن الأحزاب الأخرى كانت شريكة كذلك، ولهذا فإن كشف تفاصيل ما قام به الجلبي من شأنه أن يخلق نزاعاً داخلياً لا أحد يعلم مدى خطورته، وسط حرب شاملة على تنظيم داعش، وغليان الجمهور الذي يسمع أن حكومته ستعجز خلال بضعة أشهر عن دفع المعاشات العادية، في بلاد أنفقت ٥٠٠ مليار دولار منذ ٢٠٠٧ دون أن تنجح في تحسين مستقر لمعيشة مواطنيها حتى في الأماكن الآمنة بالجنوب ذي الغالبية الشيعية والغني بالنفط.
أخبار الأولى
ملفات الجلبي تحرج الزعماء وتغضب العراقيين
14-11-2015