إذا كنت تصدق النقاش السياسي، من اليمين واليسار، فإن الاقتصاد الأميركي في وضع بالغ السوء، وقد ابتلي بتصاعد معدلات البطالة وعدم تحقيق نمو والكثير من الديون.

Ad

وفي حقيقة الأمر كان الاقتصاد يتحسن بصورة ثابتة وإن بوتيرة بطيئة جداً، وقد هبطت معدلات البطالة الى 5.3 في المئة من 10 في المئة خلال السنة الأولى من رئاسة باراك اوباما، ويتوسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 في المئة، وهي وتيرة متواضعة ولكنها تشكل نمواً على أي حال. ويقدر العجز الفدرالي عند 486 مليار دولار في هذه السنة، أو حوالي ثلث ما كان عليه في عام 2009، وعلى الرغم من كل التذمر والشكوى حول قانون الرعاية المحتملة فإن 15 مليوناً آخر من الأميركيين تمت تغطيتهم، مما كان الحال عليه قبل سنتين والتكاليف، حتى الآن، تزداد بصورة معتدلة فقط.

حديث سلبي

والسؤال هو ما سبب الحديث السلبي؟ لقد أفضت المشاكل المنهجية المستمرة الى جمود في نمو الأجور، وكان التعافي قاسيا جداً.

ويصبح الاقتصاد بشكل مؤكد هدفاً سياسياً عندما لا يترشح سيد البيت الأبيض لفترة رئاسية جديدة، ويتعين على الحزب المعارض التحدث عن مدى سوء الوضع وعن أفكاره المتعلقة بالتغيير، أما حزب الرئيس، وهو الديمقراطي في هذه الحالة، فيتعين عليه السعي من أجل تفادي تشويه صورته على شكل المدافع عن الوضع الراهن.

وعلى الرغم من ذلك فإن الولايات المتحدة هي واحدة من المناطق المشرقة في اقتصاد عالمي غير مستقر، بينما يظل الكثير من أوروبا في حال من الانهاك والضعف.

قبل بضعة أعوام كان العالم يعتبر دول البريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين – قاطرات التنمية الاقتصادية، واليوم تحولت البرازيل وروسيا الى نموذج ضعيف، وغدت الصورة مختلطة في الهند التي غيرت طريقتها في احتساب الناتج المحلي الاجمالي، وربما بهدف المبالغة في النمو الذي تحققه.

وقد تجلت صورة الضعف في الصين خلال الأسبوع الماضي – في الأجل القصير على الأقل – عندما سمحت بهبوط قيمة عملتها ما أبرز هشاشة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وكانت تلك الخطوة أعقبت شريحة من القيود التي فرضتها حكومة بكين على أسواق الأسهم التي تميزت أيضاً بنتائج ضعيفة.

وفي اقتصاد عالمي متكامل تؤثر متاعب وقلق أوروبا ازاء الصين على الولايات المتحدة، وقد حظيت حملة دونالد ترامب على بكين بقدر من القبول الشعبي وهي لا توفر اي فوائد اقتصادية.

وتستمر الاستثمارات الخاصة ضعيفة مع سعي الشركات الى تحقيق مزيد من العوائد، وتلك الاستثمارات هي التي تحرك الانتاجية التي تفضي الى زيادة الأجور، وهذا لم يحدث.

أداء واعد... ولكن!

لذلك، وعلى الرغم من الأداء الواعد بشكل نسبي، لم يحصل العديد من الأميركيين على أي تحسن، ولم يقتصر الأمر على ركود الأجور، لأن معدلات البطالة متدنية بصورة خادعة أيضاً، ويرجع ذلك في جزء منه الى أنها لا تحسب عمال الوظائف الاضافية أو اولئك الذين توقفوا عن البحث عن عمل.

يوجد قدر قليل يمكن لرجال السياسة القيام به في الـ 14 شهراً المتبقية على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وقد تتمثل واحدة من الامكانات المتواضعة في اعتماد الكونغرس لبرامج بنية تحتية طموحة يتم تمويلها عبر مصادر دخل خارجي عند معدلات ضريبة أدنى.

يحول مأزق واشنطن دون تحقيق معظم الاجراءات ولكن المهم عدم الحاق الضرر، مثل اغلاق الدوائر الحكومية أو دفع الولايات المتحدة الى التخلف عن سداد ديونها عبر فشلها في رفع سقف الديون خلال فصل الخريف الحالي.

وقد يستطيع مجلس الاحتياطي الفدرالي تحقيق فارق من خلال تشديد السياسة النقدية ورفع معدلات الفائدة في وقت قريب (ثمة توقعات بالقيام بهذه الخطوة في سبتمبر أو ديسمبر) ومعروف عن رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي جانيت يلين حساسيتها ازاء الضعف في سوق التوظيف، ويعتقد في أحسن الأحوال أن خطواتها سوف تتسم بالحذر والتواضع والاعتدال.

تحمل المسؤولية

على الصعيد السياسي سوف يتحمل النقاد، عند نقطة ما، المسؤولية، وقد أثار السناتور بيرني ساندرز، وهو اشتراكي من فيرمونت ويتحدى هيلاري كلينتون في السباق على ترشيح الحزب الديمقراطي، أثار حماسة الجماهير عبر شجبه لأداء الاقتصاد وتعهد بمعاقبة الأغنياء، وتعتقد قلة من الاقتصاديين الليبراليين أن درجة أشد من الضرائب على الاستثمارات والأثرياء الأميركيين ستفضي الى انعاش الاقتصاد.

ويدعو العديد من اليمينيين في الحزب الجمهوري المرشحين لانتخابات الرئاسة الى خفض الانفاق الفدرالي، وقد وعد حاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش، على الرغم من عدم تحديد هدفه، بتحقيق اقتصاد ينمو بنسبة 4 في المئة أو أكثر في السنة. ويذكر أن كبار مستشاريه الاقتصاديين كانوا يوجهون صناع القرار في إدارة أخيه جورج دبليو بوش عندما لم تصل معدلات التوسع قط الى 4 في المئة، وكانت المرة الوحيدة التي تحقق فيها مثل هذا النمو خلال نصف القرن الماضي ولأربع سنوات متتالية في عهد الرئيس بيل كلينتون.