ما قل ودل: هل يعبر برلمان مصر القادم الأزمة التي عبرها برلمان الكويت؟ (2-2)
إن نجاح بعض فلول الحزب الوطني الحاكم أو نجاح رجال الأعمال في شراء بعض النواب، لم يكن ليثير في نفسي قلقا، لأن هذه الفلول وهؤلاء النواب سيعلنون ولاءهم للرئيس عبدالفتاح السيسي وللنظام، بحثا عن مكان لهم في المشهد السياسي، وأملا في الحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم، وهو ما عهدناه في الممارسات البرلمانية السابقة.
الانتخابات البرلمانية تقوم على أساس شخصيفي مقالي الأحد الماضي لم يساورني القلق، الذي ساور بعض السياسيين والباحثين القانونيين في أن تمر بسلام أزمة المراسيم بقوانين التي أصدرها الرئيس السابق عدلي منصور، أو تلك التي أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي، عند عرضها على البرلمان القادم، لغياب مبررات هذا القلق في انتخابات تجرى على أساس شخصي وعائلي وقبلي وليس على أساس أيديولوجيات تقوم عليها برامج الأحزاب السياسية في الغرب.وأن نجاح بعض فلول الحزب الوطني الحاكم أو نجاح رجال الأعمال في شراء بعض النواب، لم يكن ليثير في نفسي هذا القلق، لأن هذه الفلول وهؤلاء النواب سيعلنون ولاءهم للرئيس عبدالفتاح السيسي وللنظام، ليجدوا مكانا لهم في المشهد السياسي، أملا في الحفاظ على مكاسبهم وعلى مصالحهم، وهو ما عهدناه في الممارسات البرلمانية السابقة، عندما تولى الرئيس محمد أنور السادات سدة الحكم بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعندما تولى الرئيس مبارك سدة الحكم بعد اغتيال الرئيس السادات، وعندما تحول الاتحاد الاشتراكي العربي في عهد الأخير إلى ثلاثة منابر، وعندما تحولت هذه المنابر في عهده إلى أحزاب... ومن الممارسات البرلمانية التي يتندر بها البعض حادثتان:حلول الحزب الوطني محل حزب مصرعندما قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أن يستبدل بحزب مصر الحاكم حزبا جديدا يترأسه هو الحزب الوطني الجديد، هرول جميع أعضاء حزب مصر إلى الانضمام للحزب الجديد، ولم يبق في حزب مصر من أعضائه القدامى سوى وزير الري الأسبق المهندس عبدالعظيم أبوالعطا، الذي أقام دعوى قضائية أمام مجلس الدولة يطالب فيها برد مقار الحزب وممتلكاته التي استولى عليها الحزب الوطني الجديد، وكان نصيب عبدالعظيم أبوالعطا الذي خرج عن طاعة الرئيس، أن تم اعتقاله في الاعتقالات التي شملت ما يزيد على 1500 رمز وناشط سياسي، في سبتمبر 1981، ومات في المعتقل، عن عمر يناهز السادسة والخمسين، لإصابته بأزمة في الكلى ولم يتم إسعافه.النواب يخشون التوقيع لحزب معارضعندما صدر قانون الأحزاب، واشترط لتأسيس الحزب أن يكون من بين المؤسسين عشرون نائبا، وكان الرئيس السادات يترأس الحزب الحاكم، فقد تحرج الكثير من الأعضاء من التوقيع على طلب تأسيس حزب العمل الذي كان حزبا معارضا، خشية غضب الرئيس فقام الرئيس السادات بالتوقيع على طلب تأسيس الحزب ليرفع مثل هذا الحرج عن النواب، وتم تأسيس الحزب برئاسة المناضل الكبير الراحل إبراهيم شكري، وهو موقف يحسب للرئيس الراحل أنور السادات، ولكنه لا يحسب للممارسة البرلمانية.هذه هي الممارسات البرلمانية التي آل إليها النظام البرلماني والحزبي في مصر في الخمسين سنة الأخيرة.اجتماع برلمان مصر متحديا مرسوم الحل إلا أنه من الإنصاف أن نعترف لهذا الشعب، بأنه خاض معارك كبيرة للدفاع عن دستور 1923، وأن نواب هذه المرحلة وقفوا صفا واحدا، رغم اختلاف أحزابهم، دفاعا عنه، فقد كانت قوى الشعب تقف خلف البرلمان عندما أصدر الملك مرسوما بحل أول مجلس للنواب تم انتخابه بعد دستور 1923، وتم إجراء انتخابات جديدة، عادت بحزب الوفد وهو حزب الأغلبية مرة أخرى إلى البرلمان، وانتخب سعد زغلول رئيس الحزب وزعيم الثورة رئيسا له، الأمر الذي اعتبره الملك تحديا له، فأصدر مرسوما بحله ثانية بعد ساعات من انعقاده.ونظرا لأن الملك كان قد انتوى تعطيل الحياة البرلمانية فلم يصدر مرسوما بدعوة الناخبين إلى إجراء انتخابات جديدة، فتوجه نواب الشعب إلى البرلمان في 21/ 11/ 1925 ليعقدوا اجتماعهم فيه إعمالا لأحكام الدستور، لعدم صدور مرسوم الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، في الموعد المقرر دستوريا، فمنعتهم السلطات من عقد الاجتماع، فعقدوه في فندق الكونتيننتال، وطرحوا الثقة بالحكومة الجديدة.إعادة دستور 1923 وإلغاء دستور 1930كما كانت قوى الشعب، تقف خلف الدستور وتستمسك به يوم استصدرت الحكومة التي شكلت في يونيو سنة 1928 أمرا ملكيا بتعطيل الدستور لمدة ثلاث سنوات، ولما عجزت عن مواجهة التيار الشعبي الجارف ضد تعطيل الدستور استقالت، وأجريت الانتخابات التي عاد فيها حزب الوفد وهو حزب الأغلبية الشعبية إلى البرلمان وإلى الحكم في أول يناير سنة 1930، كما كانت قوى الشعب خلف إعادة دستور 1923، بعد إلغائه وإصدار دستور 1930، بعد تأليف ما سمي بالجبهة الوطنية التي كانت تضم كل الأحزاب التي طالبت جميعا بإعادته.كما خاض البرلمان معركته ضد الحكومة في أزمتين دستوريتين نشبتا بين الحكومة والبرلمان بسبب المراسيم بقوانين التي صدرت خلال فترة تعطيل الحياة البرلمانية، نتناولهما فيما يلي:الأزمة المصرية الأولى 1926فقد صدرت عدة مراسيم بقوانين في مصر في الفترة من تاريخ حل مجلس النواب في 24/ 12/ 1924 حتى تاريخ عودة الحياة النيابية في 10/ 6/ 1926، وقامت الحكومة بعرض هذه المراسيم بقوانين على البرلمان بعد عودته فقرر مجلس النواب تشكيل لجنة خاصة لبحث هذه المراسيم بقوانين، سميت بلجنة الشؤون الدستورية.وقدمت اللجنة تقريرها ببطلان هذه المراسيم بطلانا أصليا، حتى لا يشجع إقرار البرلمان لهذه المراسيم الحكومة على تعطيل الحياة النيابية والانفراد بالتشريع، وقد وافق مجلس النواب على ما أوصت به اللجنة وأيده بعدها مجلس الشيوخ الذي وافق أيضا على ما أوصت به لجنته في تقريرها من بطلان هذه المراسيم بقوانين بطلانا أصليا لافتقادها الأساس الدستوري الذي تقوم عليه.الأزمة المصرية الثانية 1928وأطل الموضوع برأسه ثانية حين أقيلت الوزارة الوفدية في 25 يونيو 1928 وعهد بتأليف الوزارة الجديدة إلى محمد محمود، فأعلن تعطيل الدستور وتعطيل الحياة النيابية لمدة ثلاث سنوات، ثم أجريت في نهاية سنة 1929 الانتخابات، وانعقد البرلمان المصري الذي عرض عليه في أول اجتماعاته المراسيم بقوانين الصادرة خلال فترة تعطيل الحياة النيابية، فأجرى عليها ما أجراه على المراسيم السابقة من بطلان أصلي لعدم قيامها على أساس دستوري سليم. ومع تقديري للبواعث السياسية التي صدر عنها قرار البرلمان سالف الذكر والتي كشف عنها تقرير اللجنة الدستورية بمجلس النواب ووافقها عليها البرلمان، وهي الخشية من أن يشجع قياس حالة تعطيل الحياة النيابية على حالة غياب المجلس التي يمارس فيها الملك سلطته في إصدار المراسيم بقوانين التي تقتضيها حالة الضرورة، بأن يشجع ذلك الحكومة على تعطيل المجلس، فكان الرأي الذي ارتآه البرلمان في الأزمتين ببطلان هذه المراسيم بقوانين، أي أن البرلمان لم يمارس سلطته في الرقابة على هذه المراسيم عند عرضها عليه، إعمالا للمادة (41) من دستور مصر سنة 1923.وقد امتثلت المحاكم لقراري البرلمان، إلا أن محكمة النقض في مستهل حياتها القضائية قد خالفت البرلمان الرأي وقضت باستمرار نفاذ هذه القوانين في حكم لها أصدرته بتاريخ 4/ 1/ 1931 برئاسة المستشار عبدالعزيز فهمي، وهو شيخ القضاة في مصر، الذي لا يزال اسمه حتى الآن يدوي في سمع الزمن، كأعظم قضاة مصر.وهو حكم سنتناوله في مقال قادم بإذن الله.