من حق الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أن يشدد على ضرورة الإبقاء على "سلمية" هذه الانتفاضة الفلسطينية، وضرورة إفشال محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحويل تظاهرات واحتجاجات الفلسطينيين المحقة والضرورية، وخصوصاً في هذه الفترة، إلى مواجهات دامية وإطلاق صواريخ ليقول للعالم، إنه يواجه "عصابات مسلحة"! مثلها مثل "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى، ولا يواجه شعباً محتلاً يطالب بحقوق مشروعة.
إن اهتمام العالم ينصب الآن على ما يجري في مناطق أخرى من الشرق الأوسط كسورية والعراق واليمن وليبيا، وينشغل بمتابعة التحولات الأخيرة التي طرأت في هذه المنطقة بعد الغزو الروسي لإحدى دولها الرئيسية، ولذلك فإن (أبو مازن) عندما يتوجه إلى شعبه بهذا الطلب فإنه يريد قطع الطريق على استغلال بنيامين نتنياهو لهذه الفرصة ليبْطُش بهذا الشعب، وليرْتكب أبشع الجرائم بحقه، بينما الأنظار تتجه اتجاهات أخرى، وبينما العالم الفاعل والمؤثر يعطي الأولوية لما يعتبرها أماكن ساخنة مثل سورية واليمن والعراق وليبيا. وبالطبع، هناك على الجانب الفلسطيني من "يصبُّ الحب في الطاحونة الإسرائيلية"، فالتنظيمات التي سارعت منذ بدايات هذه الانتفاضة لإطلاق صاروخين صوتيَّيْن من غزة في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحاذية المحتلة منذ 1948 واصلت محاولات إحراج السلطة الوطنية، وواصلت "الصراخ" بضرورة أنْ تسارع هذه السلطة إلى التخلي عن اتفاقية "أوسلو"، وأن تحل نفسها وتترك للتنظيمات "المعارضة"، أي "حماس" و"الجهاد" وتفريخاتهما، حرية العمل المسلح في الضفة الغربية كلها. إن هذه التنظيمات دأبت على رفع راية التخلص من هذه السلطة ومن اتفاقية أوسلو لخيار ليس هذا الوقت وقته، وليست هذه الظروف ظروفه... وعلينا أن نتصور ما الذي سيحصل لو أن الرئيس الفلسطيني استجاب لهذه الدعوات الانتحارية تحت ضغط "المزايدات" من جهة والضغط الإسرائيلي من جهة أخرى... إن الذي سيحصل هو إدخال هذه القضية المقدسة، التي حققت منذ بدايات عملية السلام إنجازات لا يمكن التقليل من شأنها، في فراغ قاتل ستكون ذروته إدارة العالم كله ظهره لها ولهذا الشعب... لتكون هناك، بعد مراحل صعبة، بداية من الصفر. هناك إنجازات فعلية حققها الشعب الفلسطيني بالكفاح والدماء والعذابات وبالشهداء منذ 1965 حتى الآن، من أهمها الاعتراف له بدولة فلسطينية (تحت الاحتلال)، ورفع علمه فوق المنظمة الدولية، وتمثيله في العديد من الهيئات العالمية المهمة. وسيكون هذا الخيار انتحاراً مجانياً للتفريط في هذه الإنجازات الفعلية تحت ضغط "المزايدين"، وضغط التنظيمات التي لم تظهر على ساحة النضال الفلسطيني إلا بعد أكثر من عقدين من الزمن، والتي يهمها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أكثر مما تهمها القضية الفلسطينية. ولذلك فإنه يجب الحفاظ على انضباط هذه الانتفاضة المحقة والضرورية، التي يجب الحفاظ عليها وتطويرها وحمايتها من "مزايدات" الذين سيحققون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما يسعى إليه ويعمل له، إن هم أفلحوا في تحويلها إلى مواجهات مسلحة وإلى صواريخ صوتية عن بعد.. وإن هم استطاعوا ابتزاز (أبو مازن) والقيادة الفلسطينية وحملَهما على حل السلطة الوطنية وترك الأوضاع الفلسطينية للأقدار وترك الشعب الفلسطيني يواجه خيارات انتحارية، بينما العالم كله ينشغل بكل هذا الذي يجري في المنطقة الشرق أوسطية.
أخر كلام
مع «عباس» كل الحق!
07-10-2015