مرافعة: هل ننتظر «ميموني» آخر؟!
التعديلات التشريعية التي تريد الحكومة إقرارها على قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بشأن مدد الاشتباه والحبس الاحتياطي وتجديد الحبس هي ردة تشريعية لا تتناسب مع نهج الدستور الكويتي الذي أكد أن يكون التنظيم التشريعي للحقوق الدستورية هو الاستثناء من الأصل العام، وأن يكون في أضيق الحدود.وعندما جاء المشرع الكويتي في مجلس فبراير 2012 المبطل الأول، وقرر تخفيض مدة الاشتباه من 4 أيام إلى يومين، كان ذلك التخفيض نتيجة حتمية لاستشعاره خطورة مدة الأيام الأربعة التي يحجز فيها الفرد من دون محاكمة قانونية، ويكون فيها تحت قبضة رجال الأمن وسلطانهم، ولا يعرف الفرد فيها داخل غرف التحقيق الأمنية عن مصيره في تلك الأيام، التي يفترض أن يكون فيها على الأقل تحت فترة الاشتباه لا أكثر.
إلا أن الواقع العملي كشف - عندما كانت فترة الأيام الأربعة موجودة - ارتكاب عدد من رجال الشرطة مخالفات جنائية، نتيجة تعذيب بعض المتهمين، وهو ما حصل على سبيل المثال في مدة الأيام الأربعة للمواطن محمد الميموني الذي احتجز في مباحث الأحمدي وأزهقت روحه في أحد مباني وزارة الداخلية، بعد أن تعرض لأقسى وأغلظ أنواع التعذيب على يد جناة انتهى القضاء إلى إعدام بعضهم وحبس البعض الآخر! دواعي التعديل الذي تريد الحكومة أن تقدم عليه وترتكب الخطيئة مرة أخرى ليست مبررة الآن، وخصوصا أن ما تردده الحكومة بشأن ضيق مدة الحبس على المتهمين بحبسهم 10 أيام، وأن الوضع السابق يريح جهات التحقيق بحبسهم 21 يوما، فمثل هذه المبررات تأتي سببا لعدم رغبة الأجهزة المعاونة للقضاء و»الداخلية» من التأقلم مع نصوص القانون الجديد، علاوة على فشلها في عدم تجاوز المصاعب العملية التي يتم ترديدها بشأن مشكلات التعديل، وعدم اطلاعها على تجارب الدول التي سبقتنا في الأمر، وخصوصا أن هذا التعديل تم منذ عام 2012.كما أن المبررات نفسها قد تصدق بشأن بعض القضايا كالقتل أو الشروع فيه، أو الإرهاب أو التخابر أو التجسس، لأنها تحتاج إلى بعض التقارير الأمنية والفنية التي لا يمنع من وضع مدة الحبس كاملا بألا تتجاوز فيها الـ90 يوما وليس 45 يوما.لكن من غير المنطقي أن نعود إلى فترة الحبس الاحتياطي ألا يتجاوز مدة 6 أشهر لكل القضايا بأنواعها من جنح وجنايات وغيرها من جرائم بالإمكان الانتهاء بها في غضون أقل من أسبوعين، فعودة مدة الـ6 أشهر تعني تراجع حق الفرد في الحصول على محاكمة سريعة له، كما تتعارض مع حقه في المثول أمام قاضيه الطبيعي لينال جزاءه أو براءته!ثم إن عودة مدة الأيام الأربعة للاشتباه، وهي مدة لم تشتك منها على الأقل الأجهزة التي تقوم بالتحقيق كالنيابة العامة، وبالتالي فما مبررات عودة فترة الاشتباه إلى مدة الأيام الأربعة بدلا من يومين، ألم نعتبر من جريمة خطف وتعذيب وقتل المواطن محمد الميموني التي حدثت أم أننا ننتظر «ميموني» آخر حتى نقتنع بأن مدة الاشتباه مبالغ فيها وغير مبررة؟ على الرغم من أنه بمقدور الأجهزة الأمنية مع دخول قانون البصمة الوراثية والكاميرات وغيرها من القوانين الحديثة أن يتم اكتشاف المتهمين في 24 ساعة وليس في 48، وبالتالي فمدة الأيام الأربعة تعبر عن ردة تشريعية غير مقبولة وغير مبررة نهائيا.