هل تستطيع اليونان العثور على رأسمال محلي؟

نشر في 18-07-2015
آخر تحديث 18-07-2015 | 00:01
No Image Caption
يشعر العديد من أبناء الشعب اليوناني باللامساواة والاشتراكية وإضفاء صفة الماركسية عليهم، على الرغم من أنهم ليسوا كلهم كذلك؛ ولذلك السبب فإن إحدى الطرق للنظر إلى الأزمة الراهنة بين السياسيين ووزراء المالية والتكنوقراطيين الأوروبيين تكمن في اعتبارها مباراة لي ذراع حول ما يدعوه العديد من الأكاديميين «الاقتصاد السياسي».
ثمة أغنية شعبية تعبر عن التشاؤم تقول "افرضوا الضرائب على الأغنياء، وأطعموا الفقراء حتى لا يبقى أحد من الأغنياء. أنا أود أن أغير العالم، ولكنني لا أعرف ما يتعين عليّ عمله، ولذلك أنا أترك الأمر لكم".

هذه الأغنية الشعبية التي غنتها الفرقة البريطانية "بعد عشر سنوات" جاءت من هاتف جوال لمسؤول تربية يوناني كنت أجريت مقابلة معه في عام 2011، وقد علقت تلك اللحظة في ذهني طوال أربع سنوات لأن تلك الكلمات بدت في ذلك الوقت- وبالتأكيد في الوقت الراهن- وكأنها تصف الوضع اليوناني السائد إزاء السياسة والاقتصاد وأزمة البلاد المالية المتواصلة.

ويشعر العديد من أبناء الشعب اليوناني على هذا النحو باللامساواة والاشتراكية وإضفاء صفة الماركسية عليهم على الرغم من أنهم ليسوا كلهم كذلك؛ ولذلك السبب فإن إحدى الطرق للنظر إلى الأزمة الراهنة بين السياسيين ووزراء المالية والتكنوقراطيين الأوروبيين تكمن في اعتبارها مباراة لي ذراع حول ما يدعوه العديد من الأكاديميين "الاقتصاد السياسي"، وهي دراسة تتمحور حول كيفية تأثير النظرية الاقتصادية على السياسة، واليونانيون– مثل شرائح المواطنين في البعض من الدول الأوروبية الأخرى– لديهم حالة انفصام شخصية إزاء اقتصادهم السياسي.

وقد ألقت هذه الأزمة المستمرة الضوء على حقيقة أن المواطنين الأوروبيين– واليونانيين على وجه التحديد– ينقسمون بين أولئك الذين يفضلون ويؤيدون وجود نظام أكثر اشتراكية وطويل الأجل على الصعيدين السياسي والاقتصادي وأولئك الذين يفضلون نظاماً ليبرالياً جديداً بقدر أكبر.

وزير المالية اليوناني الجديد إيوكليد تساكالوتس هو أحد الأكاديميين الاقتصاديين الماركسيين من خريجي جامعة إكسفورد، ولكن بعض اليونانيين يطلقون عليه صفة "اشتراكي الرفاهية" بسبب امتلاكه العديد من المنازل، ولأنه يعيش على الطراز المتبع في أوساط النخبة الأوروبية، وهي صفات يزدرون بها كما يزدري بها هو بوصفه أحد أعضاء حزب سيريزا، وكان سلفه يانيس فاروفاكيس يعتبر ماركسياً أيضاً، وقد تحدث مطولاً عن رغبته في استبدال الرأسمالية في بلاده.

البقاء في الاتحاد الأوروبي

وفي الوقت ذاته يريد ما يصل إلى 80 في المئة من اليونانيين البقاء في الاتحاد الأوروبي، كما يريدون أن تتمكن بلادهم من الوصول الى أسواق رأس المال والاستثمارات الأجنبية، وقد سئموا العيش في ظل اقتصاد منكمش وجماعي، وتتجاوز دفعات الاتحاد الأوروبي ما تدفعه اليونان في الاتحاد، وقد عملت على تحسين البنية التحتية في البلاد خلال ثلاثين سنة الماضية. ولكن العديد من أبناء الشعب  اليوناني ليسوا متأكدين من أن الترويكا (المكونة من اللجنة الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي) ستقدم لهم المساعدة، أو أنها ستعمل على استغلالهم.

ويعتقد العديد من المثقفين اليونانيين أن ثلاثة عقود من الحكم الاشتراكي قد أضرت بصورة التفاؤل في البلاد، وأنا أظن أن باباندريو وهو رئيس وزراء اليونان في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي دفع بالبلاد نحو مسار هابط من خلال سياسته الاشتراكية، وهذا ما كان أبلغني به في الأسبوع الماضي والد زوجتي إيفانغلوس مافروجيورجيس وهو أحد أفراد مجموعة تضم نحو 3 ملايين يوناني يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية، وقد شكل باباندريو الحركة اليونانية اليسارية في عام 1974، وقام بوضع برامج رعاية اجتماعية سخية يتم تمويلها من عمليات اقتراض عامة واسعة، وكان معادياً بشدة للأميركيين.

الإصلاحات الضرورية

ويعتقد مافروجيورجيس أن الأوضاع في اليونان تحسنت بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي على الرغم من تجاهل الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد لمشاكل اليونان المالية الملحة، وهو يظن أن على اليونان إجراء إصلاحات ضرورية، ولكن يتعين على الاتحاد الأوروبي أيضاً تقديم رزمة إنقاذ أخرى، وربما طرح إعفاء من الديون، وشدد على أن العودة إلى العملة الوطنية (الدراخما) يعني وصول البلاد إلى حالة كرب.

ويعكس الجدال بين الجانبين اليونانيين درجة متوازية من الانقسام الاقتصادي تظهر في وضع الاتجاه الليبرالي الجديد الذي يمثله آدم سميث وفريدريك هايك وميلتون فريدمان مقابل الكينزيين الجدد من أمثال جوزيف ستيغليتز وتوماس بيكيتي وبول كروغمان.

وقد جادل المؤلف والاقتصادي الفرنسي بيكيتي إضافة إلى أربعة اقتصاديين آخرين من ذوي الميول اليسارية حول ضرورة قيام الترويكا بتخفيف برامج التقشف في اليونان، وكتبوا في جريدة "ذي نيشن" أن "العلاج الذي وصفته وزارة المالية الألمانية وبروكسل قد أدمى المريض ولم يشف المرض".

ولكن النقد الكينزي لا يحل المشاكل الكبيرة في الاقتصاد اليوناني، بما في ذلك قطاع الخدمات العامة الذي يوظف ربع عدد اليونانيين، كما أن خطط التقاعد  أكثر سخاء من تلك المعمول بها في الدول المتقدمة الأخرى.

ويبدو أن قلة من الاقتصاديين العصريين من الليبراليين الجدد يهتمون بوضع اليونان، ولكن رفاقهم من العقائديين في وول ستريت وفي الحكومة يتجاهلون الكينزيين، وقد لاحظ تقرير صدر عن بنك جي بي مورغان في الشهر الماضي أن "أزمة اليونان لا تشكل تهديداً وجودياً بالنسبة الى نظام اليورو أو النظام المالي الأوروبي"، كما أن وزير المالية الألماني كان محبطاً من طريقة عمل حزب سيريزا وأعرب عن رغبته في خروج اليونان من منطقة اليورو.

ويشير التاريخ الحديث إلى أن اليونان ستكون أكثر حكمة إذا اتبعت أسلوب ألمانيا الذي يدعو الى الأسواق الحرة والذي توجهه حكومة قوية من أجل بلوغ الحد الأعلى من طاقة اقتصاد مع تفادي تدمير نفسها.

وتتمسك مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل ورئيس بندسبنك جنز ويدمان بأفكار الاقتصادي الألماني والتر إيكن الذي عارض الاشتراكية الوطنية، وكانت أفكاره بعد الحرب العالمية الثانية أساسية بالنسبة الى إعادة البناء السريعة في ألمانيا الغربية، والتي أصبحت تعرف باسم "المعجزة الاقتصادية".

ويؤمن إيكن وهايك بأهمية الحرية الفردية وقوة الأسواق الحرة والمنافسة، وفكرة وجود حدود لتدخل الحكومة، وجادل إيكن في أن الكرامة الإنسانية تسير جنباً إلى جنب مع الأسواق التنافسية وحكومة بارعة تساعد على خلق حرية منظمة، وهو يعتقد أيضاً أن الرأسمالية لا تهتم بما يكفي بالفقراء، وسيحصل هذا التفكير على أرضية في اليونان حيث تدعو الشريحة الدينية إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي.

وتوفر المواقف التي دعا اليها الأسلوب الألماني المذكور الأمل الأفضل لإنقاذ اليونان التي يتعين عليها الموافقة على مسار أوسع من الليبرالية الجديدة، كما يتعين على الدائنين الأوروبيين وضع برنامج تدريجي من إعفاء الديون خلال 10 إلى 20 سنة لتمكين اليونان من التعافي والوقوف على قدميها.

back to top