لا شك في أن تعمّد المذيعين إحراج الضيوف لاستخراج أخبار جديدة وتحقيق سبق إعلامي ليس جديداً، فهو كان منذ وجدت وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة. إلا أن هذه الظاهرة اليوم اتخذت مساحة كبيرة على الساحة الإعلامية، لأسباب من بينها سعي المذيع إلى كسب شهرة سريعة، وجلب أكبر نسبة إعلانات. لكن في المقابل لهذه الظاهرة نواحٍ إيجابية من بينها أنها قد تلقي الضوء على حادثة معينة وتستخرج منها عبرة.

Ad

كيف ينظر مقدمو البرامج إلى مسألة إحراج الضيف في حوارات تتناول جوانب من حياته الخاصة؟ وهل يسعون إلى هذا النوع من الأسئلة، وهل هو ضرورة في سياق أي حوار؟

                                                                                               

                                                                                                فشل وعدم احترام               

يوسف جوهر

«أحد أسوأ الأنماط المستخدمة في فنون الحوار إحراج الضيف أو الدخول معه في الجانب الشخصي من حياته»، يوضح مقدم البرامج في إذاعة وتلفزيون الكويت يوسف جوهر، لافتاً إلى أن هذا الأمر مرفوض وفق أخلاقيات العمل الإعلامي والمصداقية المهنية.

يضيف: «يسعى البعض إلى التسلق على أكتاف الضيف باستخدام هذا النمط، وليس بالضرورة اتباع تلك المنهجية إلا في حال رغب الضيف في الحديث عن قضية معينة، من شأنها إثارة الرأي العام أو تقدم وعياً وعظة وعبرة لازمة لتقويم المجتمع وتعديل مساره، وهذا الأمر يرتبط بموافقة الضيف إلى جانب الإعداد المسبق والمتفق عليه» .

يتابع: {إذا رأى المحاور وجوب القيام بمثل هذا الأمر من دون عذر أو سبب مقنع أو ضرورة، فلا أعتقد بأنه يدرج بين فئة الإعلاميين أو المحاورين، حينها يجب تسجيله في سجلات الطب النفسي، فهو بلا شك يعاني اضطراباً نفسياً مرضياً، ويسعى إلى إرضاء أهوائه على حساب العمل الإعلامي}.

 يشير إلى أن {الفاشلين ممن يتبنون مثل هذا النمط يهدفون إلى كسب شهرة كاذبة على حساب إحراج أنفسهم في البداية، وسمعة الضيف ووقت المتلقي،  فالمستمع أو المشاهد على درجة عالية من الذكاء وبإمكانه قياس فشل المحاور في حال تبنيه تلك الأنماط المرفوضة».

حبيبة العبدالله

«أصبح الناس تستهويهم الأمور الشخصية»، تؤكد المذيعة في إذاعة وتلفزيون الكويت حبيبة العبدالله، موضحة أننا صرنا في عصر «السوشيال ميديا»، واعتاد الناس أن تكون هذه المواقع قريبة من خصوصيات الفنانين الذين بدورهم عودوهم عليها، فأصبح الموضوع طبيعياً، وبات الإعلام المرئي والمسموع يواكب هذه الحاجة.

تضيف: «يهتم الجمهور بمعرفة خصوصيات الفرد أكثر من معرفة أعماله، والدليل أن أي مقطع يتضمن أمراً خاصاً ينتشر بسرعة البرق مقارنة بمقاطع المسلسلات أو غيرها».

تشير إلى أن الفنانين والإعلاميين عودوا الجمهور على هذا الأمر من خلال خصوصياتهم التي ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنها تتعمد، في بعض الأحيان، توجيه أسئلة خاصة للضيف لكن في حدود المعقول، ومن دون إحراجه، لأن من واجباتها كمذيعة أن تستخرج إجابات ترضي فضول المشاهد أو المستمع.

تلاحظ أن عصر الإعلام الذي  يوجه أسئلة على غرار: ما هو جديدك؟ كلمنا عن بداياتك؟ انتهى، وباتت هذه الأسئلة مستهلكة وغير مرغوبة ولا ترضي فضول المشاهد. في هذا السياق تؤكد أنها لا تتعمد حشر الضيف بمعنى إزعاجه أو أخذ سبق على حسابه، بل أن تظهره على طبيعته ليكون الجمهور قريباً منه ومن شخصيته، بعيداً عن الأقنعة.

محمد الدغيشم

«يجب إكرام الضيف واحترامه»، يؤكد مقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية الشاعر الغنائي محمد الدغيشم، معتبراً الضيف في البرنامج كضيفه الذي يزوره في منزله، يجب اعطاؤه حقه، وعدم مضايقته أو إزعاجه.

يضيف أن حشر الضيف في زاوية الأسئلة الشخصية، أضعف الطرق وجزء من عدم الاحترام، وبالإمكان أن يحرج المذيع نفسه، فالضيف يستطيع إيقاف «حشرية» المذيع بالردّ: «لا شأن لك بأموري الخاصة». ويلفت إلى أن خبرته الممتدة على عشرين عاماً، تجعله يتفادى ذلك، وأن  المذيع المتمكن يستخرج ما يريده من الضيف من دون أي إحراج، مؤكداً أنه في مجمل لقاءاته مع الفنانين يتحاشى الولوج إلى الجانب الشخصي، لأنه سيخسر الضيف إلى الأبد، من ثم لن يوافق على المشاركة في برامج مقبلة، مشيراً إلى أن للضيف قاعدة جماهيرية واسعة ومعجبين سيردون على المذيع  على الهواء مباشرة.

يؤكد أن تعريف الإحراج ومقياسه يختلفان عند المذيع والضيف منه عند  المستمع، وأن ثمة برامج تتفق مع الفنانين على أسئلة محرجة، أما هو فلا يتبع مثل هذه الإتفاقات.

يتابع: «أحياناً يكون السؤال المحرج ضرورة، لكن ضمن سياق الحوار الذي يحث  المذيع ضيفه على الإجابة عن سؤال معين»، مشيراً إلى أن {الإحراج مدرسة قديمة جداً، لا يلجأ إليها إلا المذيعين، وثمة برامج مفبركة يتفق فيها الضيف مع المذيع على رواية قصص محرجة».

                                                                                             

                                                                                            أسلوب ناجح ومميّز

راغدة شلهوب

يتطرق برنامجي «مية سؤال» (يعرض على «قناة الحياة» المصرية) إلى الحياة الشخصية للنجوم لكن بطريقة محترمة وراقية، لا تحرج الضيف وتعطي المشاهد المعلومات اللازمة» توضح راغدة شلهوب، لافتة إلى أن ثمة إحاطة بالحياة الشاملة للضيف ومنها الحياة الشخصية.

تضيف: «لن ندخل «غرف النوم» بالتأكيد ولا يهمّنا «القيل والقال»، ثمة خطوط حمر نرفض تخطيها، لكن نضيء على بعض علامات الاستفهام التي طرحت حول الحياة الشخصية لبعض النجوم، ويحقّ للجمهور معرفة حقيقتها».

تتابع أن ما يهمها في البرنامج التحدي والحماسة والإضاءة على سرعة بديهة الضيف، إضافة إلى الصراحة التي تعتبر سيدة الموقف، «لا مجال للمجاملات والتملّق والتفلسف، وبمجرّد الإجابة عن 100 سؤال في فترة قصيرة، تكون ثمة مراهنة على صراحة الضيف وعدم تحوير الأجوبة».

عما إذا كانت تعتقد أن البرامج الحوارية باتت متشابهة تقول: «مهما اختلف شكلها ومضمونها يبقى ثمة تشابه بينها، وهذا أمر طبيعي، وهنا يكمن ذكاء المقدم في إظهار وجه جديد للضيف يجهله المشاهد».

ريتا حرب

«إحراج الضيف في بعض البرامج الحوارية، خصوصاً في مسائل شخصية أو التي لا يحب التطرق إليها أمر غير مقبول ولا يتناسب مع الأخلاق المهنية»، تؤكد ريتا حرب، مشيرة إلى أن {الحياة الشخصية للنجوم تثير فضول الناس لكن النجم بدوره حر بالإفصاح عما يريده والاحتفاظ بما يعتبره شأناً شخصياً لا يعني أحداً غيره».

تضيف: «الحوار الناجح يحيط بجوانب الضيف بطريقة سلسة ومنسجمة، يستطيع المحاور تحقيق سبق عبر أسلوبه الحواري، وتشكل الحلقة في الوقت نفسه إضافة للنجم».

حول برنامج «عيون بيروت» الذي تشارك في تقديمه تتابع: «يتميز عن غيره بالانسجام بين فريق العمل وبيننا كمقدمات، ثم لا يقوم البرنامج على سؤال وجواب وهو أمر يجعل المشاهد يملّ، بل على حوار شيق مع الضيوف، فيشعر المشاهد بأنه موجود معنا في الاستوديو، نظراً إلى العفوية والبعد عن التصنع والتكلف، إضافة إلى الاتصالات من المشاهدين التي تضفي أجواء جميلة ومختلفة، بالتالي نكون على تواصل دائم معهم، وأصبح بيننا وبينهم وحدة حال وصداقة، ففي حال غابوا ولم يتصلوا يعتذرون على الهواء، ما يحملنا مسؤولية تجاههم».

بيار رباط

{أرفض البرامج الحوارية القائمة على حشر الضيف وفضح حياته الشخصية أو إبكائه أو إثارة مشكلة للفت نظر الناس}، يقول بيار ربّاط لافتاً إلى أنه كلما انطلق برنامج جديد تابع حلقتين منه للاطلاع على مضمونه، أنما لا يتابعه بشكل دوري لضيق الوقت. أما إذا تسنّى له مشاهدة التلفزيون، فيفضّل البرامج الأجنبية التي يستوحي منها أفكاره الجديدة.

حول المنافسة يضيف: {لم أفكر يوماً بالمنافسة الإعلامية وإلا لعرضت مواضيع صاخبة تحقق نسبة مشاهدين مرتفعة، وهذا ما وقعت فيه المحطات التلفزيونية الاخرى التي وضعت نصب أعينها هذا الأمر، فاستعانت بمضمون شعبوي وبكلام بذيء ونزلت الى مستوى الشارع بهدف إرضاء الجمهور، وهذا لا يجوز}.

 يتابع: {يجب أن نرفع، من خلال برامجنا، المستوى الثقافي للمشاهدين. لهذا السبب لم افكر بالمنافسة أو بهوية الضيف الذي يزيد نسبة المتابعين، بل فضّلت من يحوي مادة قيّمة تليق بي وبالبرنامج والمحطّة}.

حول نجاح {من الآخر} يوضح: {يعود ذلك إلى تركيبة البرنامج الناجحة والجميلة، وقد قلّدته محطات عدّة مرتكزة على فكرة الطاولة المستديرة التي تستضيف شخصيات عدّة}.

                                                                                             

                                                                                              أسئلة مدفوعة الأجر

ترى الإعلامية إيمان الحصري أن المصارحة مع الجمهور، تشكل نقطة تميز البرنامج الحواري الذي يرغب صانعوه في نجاحه، وأن الدخول في سياق الحياة الشخصية للضيف يرتبط، بالدرجة الأولى، باهتمام الجمهور، وما إذا كانت الاستضافة بغرض هذه القضية بذاتها، ضاربة المثل بالبرامج الفنية التي تعرض أخباراً متداولة عن ارتباط فنان بامرأة من الوسط الفني أو خارجه، وفي حال استضافته لا يمكن تجاهل سؤاله إلا إذا طلب هو، صراحة، وعلى فريق عمل البرنامج حسم أمره من الموقف.

تضيف أن التوازن بين الأسئلة ضروري، بمعنى أن تكون ثمة مساحة للاهتمامات العامة وآراء الضيف في قضايا مختلفة، وما يمكن تناوله إعلامياً من قضايا خاصة، بمقدار لا يشكل حرجاً للضيف، وأن يكون المعيار مدى أهمية الإجابة للرأي العام، متسائلة عما يمكن أن يضيف للمشاهد سؤال ضيف سياسي حول علاقاته العاطفية، ضمن برنامج سياسي، مع الأخذ في الاعتبار أن يحتمل شكل البرنامج هذا السؤال وأن تكون طبيعته اجتماعية.

تشير إلى ضرورة عدم انجرار البرامج الحوارية إلى ترك مساحة من الوقت وفرصة في التعبير لشخص يهاجم آخر بسبب خلافات شخصية بينهما، أو يوجه اتهاماً من دون رد مباشر في المساحة نفسها للطرف الآخر.

اتفاق ضمني

الإعلامي محمود سعد، أحد أبرز مقدمي برامج الـ «توك شو» (توقف أخيراً عن تقديم برنامج يومي على إحدى الفضائيات)، يشير إلى أن سنوات الخبرة في الصحافة الفنية أولاً، ثم التلفزيون ثانياً، رسخا مفاهيم عدة لديه، من بينها ألا يستغل علاقته الشخصية بالفنانين في إفشاء أسرار لا يريدون كشفها لأنها تتعلق بحياتهم وليس جمهورهم، لافتاً إلى أنه عمل وفق هذا المعيار سنوات طويلة، مع اعتبار أن بعض الفنانين يريدون إثارة لغط حولهم بالحديث عن مشاكلهم الشخصية.

يضيف أن البرامج التي تقوم على أسئلة بالغة الخصوصية والإحراج، تعتمد فكرة دفع مبالغ مالية طائلة للضيف، مقابل اتفاق ضمني بالإجابة عن أسئلة ساخنة تكشف تفاصيل حياة  الشخصية من دون ستر، لافتاً إلى أن الأمر يتوقف على مدى قبول الضيف لذلك النوع من الاتفاقيات.

الإعلامي أحمد الشاعر، مقدم البرامج على «قناة المحور» الفضائية، يشير إلى ضرورة تقديم نماذج إيجابية ضمن سياق أي عمل تلفزيوني، مع طرح قضايا سلبية، سواء شخصية أو عامة، في إطارها الذي تستحقه، «بمعنى عدم إفراد مساحة واسعة للحديث عن سقطة لشخصية عامة لا يتجاوز تأثيرها حدود حياته، لكن إذا كانت الواقعة الشخصية تتعلق بالشأن العام، فيجب التركيز عليها، وعدم تجاهلها في سياق أي محاورة في البرامج أو الصحافة».

يشرح كيفية تأثير البرامج المختلفة في تشكيل وعي الجمهور، عبر التركيز على قضايا هامشية وتجاهل ما يستحق إثارة الانتباه، مشيراً إلى أن التورط في نوع الأسئلة المحرجة البالغة الخصوصية، هو نمط دخيل على الإعلام المصري، ويرتبط بهوس نسبة المشاهدة، وإعادة النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجذب المعلنين.

ضوابط ومعايير

توضح الإعلامية ريهام السهلي، أن طبيعة الوسيلة الإعلامية تضع جزءا من الضوابط بشأن طبيعة الأسئلة التي يطرحها مقدم البرنامج على ضيفه، وبقدر سماح القناة بتداول هذا النوع من الأسئلة الخاصة والمغرقة في التفاصيل، تكون تلك الظاهرة منتشرة، موضحة أن بعض القنوات باتت متخصصة في الأسئلة الفضائحية التي لا تقل إثارة عن الإجابة، وقد تمثل إساءة بحد ذاتها إذا طرحت على الفنان وكانت الإجابة بالنفي.

تضيف أن المعيار الذي تلتزم به هو المصلحة العامة، بداية من استضافة الشخصية ومدى علاقتها بالأحداث، فضلاً عن الإجابة عن أسئلة حول أمور يطرحها الجمهور ويترقب الإجابة عنها.

تتابع: «كلما نجح المحاور في الحصول على الإجابة المناسبة، كان ذلك نجاحاً مهنياً وأخلاقياً وعلى مستوى أمانة العلاقة مع الجمهور، الذي لا يجب انتهاك حقه في المعرفة، أو إشغال وقته بقضايا هامشية فارغة».