رأي : الغيوم الداكنة تنجلي

نشر في 23-09-2015
آخر تحديث 23-09-2015 | 00:01
 بلاك ستون في بداية العام، كانت لدي وجهة نظر متفائلة إزاء ما سيجري في عام 2015، وكان من بين توقعاتي:

- نمو اقتصاد الولايات المتحدة بمعدل يقارب 3 في المئة وانخفاض ​​معدل البطالة إلى أقل من 5 في المئة.

- ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز S and P 500 بأكثر من 10 في المئة بحلول عيد الميلاد.

- معاودة النمو في أوروبا واليابان بمعدل يتجاوز 1 في المئة بفضل برامج التحفيز النقدي والمالي.

- بقاء اليونان ضمن الاتحاد الأوروبي بعد مفاوضات شاقة، ومحافظتها على اليورو عملة لها.

- التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي يتمتع بالمصداقية وقابلية التنفيذ، على الرغم من أنه لن يلقى ترحيبا من أحد.

- تباطؤ الاقتصاد الصيني في وقت تكون أسواق الأسهم قد وصلت لتقييمات عالية إلى درجة الخطورة، لكن على الرغم من تراجع دور الصين كمحرك للنمو العالمي عما كان عليه في العقد الماضي، فإن وتيرة الانخفاض لن تكون كبيرة بما يؤدي إلى زعزعة استقرار اقتصادات العالم.

بعد ذلك، ومع دخولنا في النصف الثاني من العام، بدا أن كل جانب من هذه الجوانب يواجه بعض المتاعب.

ونحن الآن نقف عند نقطة يمكن فيها لأحداث متنوعة في الاقتصاد الكلي أن تؤثر بشكل كبير على الأسواق المالية. وسأعرض هنا أفكاري بشأن التطورات الأخيرة في اليونان، والمفاوضات مع إيران، والصين، والولايات المتحدة.

اليونان

بالنسبة إلى الموقف في اليونان، لدي وجهة نظر مختلفة بعض الشيء عن إجماع المحللين، إذ يعتقد معظم المراقبين أن رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس اضطر للاستسلام لجميع مطالب صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وأنه أوقع نفسه في ورطة سياسية خطيرة نتيجة لذلك. لكن تقييمي للوضع هو أن تسيبراس أدرك في اللحظة الحاسمة أن أوروبا، لعدد من الأسباب، مستعدة لفعل أي شيء تقريبا كي تحافظ على عضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي.

وأنا أرى أنه محق في ذلك. ربما يكون أول تلك الأسباب هو الخوف من انتشار عدوى الانفصال عن اليورو إلى بلدان الصف الجنوبي مثل إسبانيا والبرتغال، والتي قد تعتقد أن اقتصاداتها ربما تصبح أفضل إذا كانت تملك السيطرة الكاملة على عملاتها المحلية، وهذا ما يهدد "المشروع" الأوروبي بالموت. والسبب الثاني هو أن عجز اليونان عن السداد سيؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع المالي في أوروبا عموما، وإجهاض الانتعاش الاقتصادي الهش الذي تشهده القارة. وفي مثل تلك الحالة، سيكون تسيبراس مضطرا إلى مواجهة العواقب الداخلية للعجز عن السداد والانسحاب من الاتحاد الأوروبي واليورو.

وربما تدخل اليونان في حالة اضطرابات اجتماعية تصل إلى ثورة شاملة. فالبنوك ستبقى مغلقة، وستضطر الحكومة لدفع معاشات التقاعد ورواتب الجيش وموظفي القطاع العام بقسائم أو سندات دين، ولن يكون لديها الأموال اللازمة لدفع ثمن المحروقات والسلع المستوردة الأخرى. كما ستصبح حدود اليونان سهلة الاختراق، وسيتدفق المهاجرون من الشرق الأوسط عبر تركيا وأماكن أخرى. من جانب آخر، وفي حال العجز عن السداد، قد تجد اليونان ما يدفعها لطلب الدعم من روسيا، على الرغم من أنها حاليا عضو في حلف شمال الأطلسي.

وعلى الرغم من أن تسيبراس اضطر للتخلي عن نهجه المناهض للتقشف، فقد نجح في إبقاء اليونان ضمن الاتحاد الأوروبي والمحافظة على عملة اليورو، وضمن بذلك حصول بلاده على دفعة إنقاذ ثالثة تتجاوز قيمتها 96 مليار دولار (وهو مبلغ هائل يزيد بأكثر من 50 في المئة على المبلغ الذي كان مطروحا على طاولة المفاوضات قبل ذلك بأسابيع)، لإعادة فتح البنوك ومواصلة تسيير أمور البلاد.

وستستخدم اليونان نحو نصف هذه الأموال للوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية، كما ستبيع أصولا عامة تقدر قيمتها بنحو 55 مليار دولار من أجل سداد القروض. ويرى العديد من النقاد أن تسيبراس كان يستطيع التوصل إلى صفقة أفضل لو تم الأمر في وقت أبكر، لكنني لا أعتقد أن الشعب اليوناني كان يائسا حينها إلى درجة قبول الاتفاق بشروط قاسية كهذه من قبل الدائنين. وعموما فقد حصل رئيس الوزراء على ما أراده الشعب اليوناني: المال اللازم لدفع عجلة الحياة، والاستمرار في عضوية الاتحاد الأوروبي، والمحافظة على اليورو كعملة للبلاد، لكن المشكلة لم تنته بعد، فالاقتصاد اليوناني لا يزال ضعيفا، وأعتقد أن احتمال تحقيق فائض في الميزانية ضعيف للغاية.

ومع أن الصفقة الأخيرة ستمنح البلاد شيئا من الاستقرار لبعض الوقت، فقد تعود الأزمة اليونانية للواجهة من جديد بعد نحو ستة أشهر من الآن، إذ أنني أشك في امتلاك اليونان حاليا للهيكلية المؤسسية اللازمة لتنفيذ جميع الإصلاحات المطلوبة، مثل تغييرات تحصيل الضرائب، وإصلاح قواينن العمل. ولا أرجح أن تستطيع الحكومة تعديل برنامج التقاعد من دون إثارة المزيد من الاحتجاجات الشعبية. كما أن تدابير التقشف الأخرى قد تعيق انتعاش الاقتصاد. ومن منظور استثماري، فإن الحل المؤقت للأزمة يعني على الأرجح أن أوروبا ستواصل انتعاشها المتواضع هذا العام، وأن ذلك سيعزز قوة الدولار.

ورغم القضايا الشديدة التعقيد، فإن الاتفاق مع اليونان جاء نتيجة هدفين واضحين، هما: سعي أوروبا لتجنب عجز أحد أعضاء الاتحاد عن السداد والتي قد تفضي إلى زعزعة الاستقرار، ورغبة اليونان في الحصول على حزمة إنقاذ ثالثة والاحتفاظ باليورو عملة لها.

إيران

وعلى النحو ذاته، فقد نجحت المفاوضات مع إيران في الوصول إلى اتفاق بسبب عاملين مشابهين، اولهما رغبة المجتمع الدولي في تأخير البرنامج النووي الإيراني لأطول فترة ممكنة، وثانيهما أنه بينما كانت إيران قادرة على الالتفاف على العقوبات واستيراد العديد من السلع المهمة، فإن العقوبات تبقى مؤثرة خصوصا على عامة الشعب الذي يطمح إلى التخلص منها. فأكثر من نصف الشعب الإيراني الذي يبلغ تعداده 78 مليونا، ويمتاز بتعليم جيد عموما، هم تحت عمر الـ35 سنة، ولديهم الرغبة والطموح في الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي يرونها في أمكنة أخرى كثيرة من العالم.

ونتيجة لهذين العاملين، تم التوقيع على اتفاق (وليس معاهدة، وإلا فإنها كانت بحاجة لموافقة مجلس الشيوخ الأميركي). ربما لم يكن أي من طرفي الاتفاق راضيا تماما (كما هي الحال أيضا في الاتفاق اليوناني)، ومن غير المرجح أن ينظر إليه كإنجاز تاريخي لإدارة الرئيس أوباما، لكنه سيعتبر إنجازا على المدى القصير. ومع رفع العقوبات عن إيران، يمكن أن ينمو ناتجها المحلي الاجمالي بمعدل يتراوح بين 3 في المئة و6 في المئة، ما سيخلق فرصا استثمارية هائلة، حيث ستبدأ إيران بيع المزيد من النفط الخام (ربما بزيادة مليون برميل يوميا)، لكنني لا أزال أتوقع ارتفاع أسعار النفط الخام قليلا مع تعافي اقتصادات العالم المتقدم.

الصين

أما بالنسبة إلى الصين، فيجب أن يأخذ أي تحليل في الاعتبار محدودية خبرة هذا البلد في إدارة أسواق المال. وأنا أرى شخصيا أن معظم المشاركين في السوق من المضاربين، وكانت أسواق الأوراق المالية أشبه بمناطق إدارة ذاتية بعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية، إذ شهدت الأسواق فتح أربعة ملايين حساب جديد في كل شهر خلال الفترة التي سبقت الهبوط، وكان الدين الهامشي مرتفعا عند مستوى قياسي يقارب نحو ربع قيمة الذروة، وقد انخفض هذا الدين الهامشي على التوازي مع التصحيح الذي شهدته السوق. ويمثل عدد المشاركين في السوق (والذي يناهز 90 مليونا) نحو 7 في المئة من تعداد السكان. ومع أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي تعتبر مرتفعة نسبيا في الصين، فإن البلاد تملك احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي وقاعدة صناعية قوية قادرة على توليد فائض في الميزانية.

أميركا

وفي الولايات المتحدة، انخفض معدل البطالة إلى 5.3 في المئة، لكن ذلك نتج جزئيا عن الانخفاض في نسبة المشاركة، فكثير من الناس الذين كانوا يبحثون عن عمل وصلوا إلى مرحلة القنوط وقرروا الخروج من سوق العمل. وعلى الرغم من وجود خمسة ملايين فرصة عمل، فقد وجدت العديد من الشركات أن المتقدمين يفتقرون للمهارات التقنية اللازمة لأداء المهام المطلوبة. وفي حين أن متوسط ​​أجر الساعة واصل تحسنه بمعدل يزيد على 2 في المئة، فقد بقيت الأجور دون تغيير في التقرير الشهري الأخير، أي أن الدخل الفعلي لا يرتفع بشكل ملموس، ولا يزال أقل مما كان عليه قبل الركود عامي 2008-2009. وقد تجلى ذلك أيضا في التقارير الأخيرة لمبيعات التجزئة، والتي جاءت أدنى من التوقعات. وبينما بقيت قيمة ثروة العائلة عند أعلى مستوياتها على الإطلاق، فإن معظم تلك الثروة تراكمت لدى الشرائح الأعلى دخلا من أصحاب الأسهم والمنازل الباهظة الثمن، والذين استفادوا من ارتفاع قيمة تلك الأصول. وتتسم هذه الشرائح بضعف رغبتها في الإنفاق مقارنة مع الفئات الموجودة في منتصف هرم تراكم الثروة. ولا أزال أعتقد أن نقص الطلب هو المشكلة الأكبر بالنسبة للاقتصاد الأميركي.

بعد الركود الذي شهده العالم عامي 2008-2009، اضطرت العديد من الهيئات الحكومية الأميركية لخفض إنفاقها، لكنها بدأت الآن تؤدي دورا فاعلا في تحفيز النمو الاقتصادي. ومع أن العجز في الميزانية الفدرالية هبط لما دون 3 في المئة، ما يجعل تلك الهيئات في وضع يسمح لها بزيادة الإنفاق على البنية التحتية والتدريب المهني والبحث والتطوير، فإن إقرار مثل هذه البرامج من قبل "الكونغرس" الذي يشهد انقساما حادا قد يكون صعب المنال. ونتيجة لذلك، أتوقع أن ينمو اقتصاد الولايات المتحدة بمعدل أقرب إلى 2 في المئة بدلا من 3 في المئة خلال الفترة المتبقية من العام، لكنني لا أرى ركودا في الأفق. وحتى عندما سيبدأ البنك الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة، إن حدث ذلك، فإن الزيادات ستكون صغيرة وعلى فترات متقطعة. ولا أرى حاليا أي ضغوط تضخمية ملموسة، كما أنني لا أعتقد أن أسعار الأسهم مبالغ فيها، إذ إن مستوى 2100 لمؤشر ستاندرد آند بورز S and P 500 يعبر عن نسبة (سعر/ربحية) تبلغ 17.5 ضعفا بالنظر إلى توقعات الأرباح التشغيلية السنوية لعام 2015 (والمقدرة بنحو 120 دولارا)، أي أنها أعلى بشكل طفيف من متوسطها ​التاريخي، في حين تشير تقديرات الأرباح للعام المقبل إلى نحو 130 دولارا، ما يجعل تلك النسبة بحدود 16 ضعفا. وبناء على ذلك، فمازلت متفائلا بشأن توقعات أسواق الأسهم الأميركية خلال الفترة المتبقية من العام.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون

back to top