في اجتماع مجلس الجامعة العربية، الذي تقرر أن يُعقَد بعد غدٍ الأحد، استجابةً لطلب من المملكة العربية السعودية، ستتضح حقيقة وجدية "مبادرة" الوساطة بين الرياض وطهران التي تحدَّث عنها وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، وهو يقف إلى جانب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فالمنتظر أن يتخذ العرب كلهم، وبدون استثناء، موقفاً جديّاً وحاسماً ضد عدوان إيران الآثم على السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية وعلى القنصلية السعودية في مشهد.
وفقاً لتجربة سابقة، وفي الجامعة العربية، فإن الخارجية العراقية قد اتخذت موقفاً "موارباً" غير منسجم مع موقف العرب تجاه تدخل إيران السافر في الشؤون الداخلية العربية، في العراق وسورية واليمن ولبنان، ولذلك فالمتوقع أنْ يكون الموقف "العراقي"! مُعطِّلاً لصدور قرار حاسم، واضح وصريح، ضد ما تعرضت له سفارة السعودية في طهران، وما تعرضت له أيضاً قنصليتها في مشهد... وبالطبع بحجة أن هناك وساطة عراقية وأنه لابد من إعطاء هذه الوساطة فرصة للنجاح بتجنب اتخاذ قرارات، ستُعتَبر تصعيدية، حتى وإنْ اقتصرت على ما يعتبر حدّاً أدنى وتسجيل موقف رمادي من أجل مجرد تسجيل الموقف. لو أن هناك "جديّة" فعلية في هذه الوساطة لما كانت أُعلِنت من طهران، ولكان وزير الخارجية العراقي ذهب إلى الرياض قبل الذهاب إلى العاصمة الإيرانية، ولبادر بصفته وزير خارجية دولة عربية إلى استنكار ما تعرضت له سفارة دولة شقيقة وما تعرضت له قنصليتها في مشهد، ليس على أيدي "غوغاء" وَعَدَ الذين أرسلوهم للقيام بما قاموا به بالسعي لمعرفة أسمائهم خلال أسبوعين! وإنما على أيدي "مجاهدي" حراس الثورة، وبقرار إن لم يكن من قبل أعلى السلطات، فعلى الأقل من قبل قاسم سليماني سيئ الصيت والسمعة. حتى روسيا، التي هي الحليف الوحيد لإيران من خارج الدائرة العربية، حيث هناك النظام العراقي ونظام بشار الأسد وبعض العرب المؤلفة قلوبهم! قد اضطُرَّت إلى استنكار هذا العدوان الآثم الآنف الذكر، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة التي ذهبت إلى حدِّ اعتبار دولة الولي الفقيه "دولة راعية للإرهاب"، مما يعني أنه كان على هذه الدولة العراقية أن تتخذ هذا الموقف نفسه، أو حتى أقل منه، قبل أن تطلق "مبادرتها" هذه التي إنْ لم تكن لمجرد رفع العتب فإنها بالتأكيد جزءٌ من "المناورة" الإيرانية وجزءٌ من "لعبة" مطاردة الفاعلين ومعرفة أسمائهم خلال أسبوعين.إن كل الاستنكارات لهذا "العدوان"، التي قامت بها إيران، ومعها وزير الخارجية العراقي، إنْ لم تكن الدولة العراقية كلها، هي من قبيل امتصاص ردود الأفعال العربية والدولية، وأيضاً من قبيل قطع الطريق على الجامعة العربية التي يفترض أن تجتمع بعد غدٍ لاتخاذ موقف مساند للمملكة العربية السعودية... وإلَّا لكان على السيد إبراهيم الجعفري أن تكون زيارته الأولى للرياض لا لطهران، وأن يُطلق مبادرته من العاصمة السعودية، لا من العاصمة الإيرانية، وأنْ يبدأ مشاوراته بشأن هذه المبادرة مع الأشقاء السعوديين، لا مع الأصدقاء (الأعداء) الإيرانيين.إنه يجب أن يفهم، من لمْ يفهم بعدُ من العرب، أنَّ لإيران أطماعاً غدت معروفة وواضحة في المنطقة العربية كلها، لا في دول الجوار فقط، ولذلك لا يمكن الاطمئنان إلى إبدائها أي حسن نوايا ما لم تخرج أولاً من العراق نهائياً، وما لم تسحب ميليشياتها وحراس ثورتها من سورية، وأيضاً ما لم توقف تدخلها في شؤون لبنان وشؤون اليمن الداخلية... إنَّ هناك مثلاً عربيّاً يقول: "لا تنظر إلى دموع عينيه بل انظر إلى فعل يديه"، وهكذا وفي النهاية لابد من القول، وبكل مرارة، إنه لا أمل في أن تكون هذه الدولة المسلمة دولة شقيقة مادام من يحكمها هم هؤلاء الذين لا ينظرون إلى الأمور من زوايا الحاضر والمستقبل، بل من زوايا ماضٍ لو أنهم دققوا فيه جيداً لوجدوا أنه، على غير ما يعتقدون، يشكل أساساً متيناً لعلاقات عربية – إيرانية أخوية وواعدة.
أخر كلام
معنى مبادرة الجعفري!
08-01-2016