كما في بداية كل عام جديد، أعاده الله عليكم، فإننا نقف وقفة تأمل، فنسرح بعيداً في سنة مضت كانت كلها مخاوف وترقبات ومفاجآت وتحديات ومتاعب، ثم نغمض عيوننا ونتصور كيف سيكون العام المقبل. والمعروف أن كل عام هو استمرار لما قبله، وحتى المفاجآت التي تأتينا على حين غرة هي في حقيقة الأمر إنتاج ما كان خلال السنة الماضية والسنوات التي سبقتها.
في صباح هذا اليوم الذي هو الخطوة الأولى على طريق طويل فإن كل واحد منا لابد أنه حملق في الأفق، بينما الشمس الأولى من هذا العام أطلت من خلف الأفق البعيد، وسأل نفسه: كيف يا ترى من الممكن أن يكون هذا العام الجديد؟... وهنا فإن الذين يحبون "أبو الطيب المتنبي" والمعجبين بشعره قد رددوا هذا البيت الذي بقينا نردده وبدون أي جديد: عيد بأية حـالٍ عـدتَ يـا عـيد بما مضى أم بأمرٍ فيـك تجديد في هذا الصباح، بل في فجر هذا اليوم، الذي هو الخطوة الأولى على طريق طويل، ربما يكون مليئاً بالأشواك وليس بالورود والرياحين، لابد أن الملايين من أهلنا وإخوتنا في سورية والعراق واليمن وليبيا وأيضاً في فلسطين... هل تذكرونها؟ وهل مازلتم تتذكرونها؟ قد سألوا عما يخبئه لهم العام المقبل، وما إذا كان المشردون منهم سيعودون إلى مدنهم وقراهم ومنازلهم التي أصبحت أثراً بعد عين، والتي أكلتها الصواريخ وقذائف المدافع وقنابل الطائرات التي جاءت إلى بلادنا من خلف المسافات البعيدة. هل يا ترى سنشهد في هذا العام، الذي بدأنا اليوم خطوتنا الأولى على طريقه الطويل، نهاية طريق آلام الشعب السوري العظيم الذي ابتلي بكل هذه العذابات المتلاحقة منذ أن انطلق أول بيان عسكري من إذاعة دمشق عام 1949، وحيث تلاحقت بعد ذلك البلاغات العسكرية التي بقيت تعد ليس السوريون فحسب بل العرب كلهم بتحرير فلسطين، وبـ"الوحدة والحرية والاشتراكية"... وفي بعض الأحيان بالديمقراطية وتبييض السجون وإغلاق المعتقلات وقراءة الفاتحة على أرواح الذين فقدوا أرواحهم في ميادين الإعدامات وعلى أعواد المشانق؟! هل سيكون هذا العام الجديد بالنسبة لسورية والشعب السوري غير العام الماضي، أم ان السوريين سيترحمون ونحن معهم على العام الماضي، وأنهم ونحن معهم سنذوق المزيد من الويلات عام 2016، وسنشهد ما لم نكن نراه ونتخيله حتى في أسوأ كوابيس السنة الماضية والسنوات التي سبقتها، منذ سمع آباؤنا وأجدادنا... وسمعنا نحن أيضاً البلاغ العسكري رقم (1)...؟! إننا عندما نغمض عيوننا في بداية هذا اليوم الأول من السنة الجديدة، ونستعرض أحداث العام الماضي، لا أعاده الله، فإن كل واحد منا سيشعر وكأن خنجراً مسموماً قد انغرس في خاصرته... فالاحتلال الروسي لهذه الدولة العربية العزيزة يبدو أنه سيزداد تجذراً طالما أن فلاديمير بوتين أطلق عدداً من التصريحات بينما كان العام الماضي 2015 يلملم أشياءه ليرحل، والتي أكد فيها أن بشار الأسد سيرشح نفسه مجدداً لانتخابات عام 2017، وأن "الإرهابيين" سيتم سحقهم... وبالطبع فإن المفترض أنه يقصد الشعب السوري بأكثريته، والحركة الوطنية السورية، وأبناء وأحفاد عشرات الألوف الذين ذُبحوا ذبح النعاج في حماة عام 1982 وفي تدمر وفي كل مكان من "القطر العربي السوري". والواضح أن عام بلاد الرافدين الجديد، الذي وضعنا مع انبلاج شمس هذا اليوم أقدامنا على بدايات طريقه الشائك الطويل، سيكون أثقل ظلاً من العام الماضي والعام الذي قبله، فحتى تنظيم داعش ربما لا يمكن التخلص منه، والهيمنة الإيرانية ربما ستزداد رسوخاً... وهنا فإننا نسأل الله جل شأنه أن تكون تصوراتنا هذه تشاؤماً أكثر من اللزوم، وأن الأمن والأمان سيكون عنوان عامنا الجديد، سواء في العراق أو سورية أو اليمن، الذي كان سعيداً ذات يوم بعيد، أو ليبيا أو فلسطين، التي هي الابن المريض والغائب والصغير الذي له محبة خاصة.
أخر كلام
عام جديد... أي عام؟!
01-01-2016