الكويت تجدد مواقفها المبدئية والثابتة في رفض كافة صور الإرهاب والتطرف
جددت دولة الكويت اليوم مواقفها المبدئية والثابتة في رفض كافة صور الإرهاب والتطرف والتعصب مهما كانت أسبابه ودوافعه ومصادره وهويته مؤكدة ان تعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الشعوب والأمم تأتي ضمن أولويات نهجها المتبع في السياسة الداخلية والخارجية والمستمدة من تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء.
جاء ذلك في كلمة القاها ممثل حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء امام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بمقر الامم المتحدة في نيويورك.وفيما يلي نص كلمة ممثل حضرة صاحب السمو أمير البلاد " السيد الرئيس أصحاب المعالي السيدات والسادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسرني في البداية أن أتقدم باسم حكومة وشعب دولة الكويت بخالص التهنئة لكم ولبلدكم الصديق مملكة الدنمارك على انتخابكم رئيسا للدورة السبعين للجمعية العامة ونحن على ثقة بأن خبرتكم الواسعة بالعمل السياسي ستسهم في تحقيق النجاح الذي نتطلع له في أعمالنا.كما نود أن نشيد بالإدارة الناجحة لمعالي السيد سام كوتيسا خلال رئاسته لأعمال الدورة الماضية.ولا يفوتني في هذا المقام إلا أن أشيد أيضا بالجهود الكبيرة التي يبذلها معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في قيادة هذه المنظمة وفق رؤية وأفكار مستمدة من مبادئ وأهداف الميثاق الرامية لحفظ السلم والأمن الدوليين والداعية في ذات الوقت الى تحقيق أهدافها بصفة مستدامة من خلال مواجهة كافة المخاطر والتحديات المحيطة بالعالم. السيد الرئيس نعرب مجددا عن خالص عزائنا وصادق مواساتنا الى المملكة العربية السعودية الشقيقة في ضحايا حادث التدافع والتزاحم في مشعر منى خلال موسم الحج والذي أسفر عن سقوط أعداد من القتلى والجرحى وفي الوقت الذي نبتهل فيه الى الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الضحايا بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته ويلهم ذويهم جميل الصبر وحسن العزاء وان يمن على الجرحى بالشفاء العاجل لنستذكر بكل التقدير والعرفان الجهود البشرية والمادية الكبيرة والمقدرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا لتسيير وتسهيل فريضة الحج كل عام والسهر على راحة ضيوف الرحمن. السيد الرئيس يحتفل المجتمع الدولي بإتمام هذه المنظمة الدولية العريقة والرائدة لعطاء امتد 70 عاما عملت خلاله على خلق عالم تنعم فيه البشرية بالأمن والسلم في ظل ظروف تاريخية تزايدت فيها وتيرة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في العالم وقد واصلت الأمم المتحدة خلالها العمل وفق أهداف ومبادئ ميثاقها للتغلب على هذه التحديات المتزايدة ومواجهتها بأساليب مبتكرة أصبحت في معظمها بمثابة تجارب تاريخية تدرس للأجيال القادمة بقصد إيضاح أهمية وحتمية التعاون الدولي وتأكيد صريح على قدرة الأمم المتحدة على مواصلة عطائها اللامحدود لشعوب ودول العالم.ولعل من أبرز محطات النجاح الهامة للأمم المتحدة اعتماد أهداف التنمية المستدامة لما بعد عام 2015 والذي يعد امتدادا لجهود المجتمع الدولي المستندة الى القواعد الأساسية النابعة من الأهداف الإنمائية للألفية والتي حققت مقاصدها النبيلة حيث تجاوزت الأمم المتحدة الأهداف النسبية في مواجهة التحديات الهادفة لغايات شمولية الطابع جذرية الحلول بصورة بات الإنسان هو المحور الأساسي لها كالتصميم على القضاء الكامل على الفقر بصوره المتعددة والتأكد من حصول جميع البشر على حقوقهم المتساوية في الكرامة والتعليم والصحة والمشاركة السياسية والمساواة بين الجنسين وتمكين الشباب ومعالجة التدهور البيئي.وفي هذا الصدد تؤكد دولة الكويت انها لن تدخر جهدا في المساهمة الفاعلة في إطار شراكة دولية من أجل التنفيذ الكامل لأهداف التنمية المستدامة للخمسة عشر عاما القادمة وستواصل عطاءها النابع من إيمانها العميق بميثاق الأمم المتحدة وتصديقا بدور هذه المنظمة العالمية العريقة وتقديرا وعرفانا بمنح سيدي حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه أمير دولة الكويت شهادة تقدير الأمين العام للأمم المتحدة "كقائد للعمل الإنساني" والذي يأتي كوسام يتوج الدور البارز والحيوي لدولة الكويت قيادة وحكومة وشعبا في إنقاذ حياة الملايين من البشر حيث تأتي دولة الكويت في المرتبة الأولى عالميا في تقديمها للمساعدات الإنسانية بالنسبة لإجمالي الدخل القومي وهي أعلى نسبة مقدمة من بين الدول المانحة وفقا للتقرير الإنساني العالمي لعام 2014 الذي يصدر عن منظمة مبادرة التنمية كما يواصل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية دوره الرائد في تقديم المساعدات التنموية للدول النامية ودون أية اعتبارات لمحددات الجغرافيا والدين والقومية منطلقا بذلك لمختلف بقاع الأرض حيث استفادت من مشاريعه أكثر من 100 دولة وبقيمة تجاوزت ال 18 مليار دولار منذ إنشائه في عام 1961.وسيواصل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية تقديم قروض وبرامج تنموية ضمن برنامج عملياته ووفق موارده الذاتية وذلك للسنوات الخمس عشرة القادمة بما قيمته خمسة عشر مليار دولار لتلبية استحقاقات ومتطلبات التنمية المستدامة.السيد الرئيس لا شك في أهمية قيام المجتمع الدولي بالجهود اللازمة والعمل على ترسيخ وتعزيز وجود المجتمعات السلمية المرتكزة على أسس العدالة والخالية من جميع مظاهر العنف والتطرف حيث لا تنمية مستدامة دون أمن ولا أمن دون تنمية مستدامة.إن ما يعيشه العالم اليوم من انتشار النزاعات والحروب الأهلية وبروز مظاهر العنف ومخاطر التطرف والإرهاب في عدة أقطار منه كان لمنطقة الشرق الأوسط النصيب الأكبر منها مع تعدد الأسباب وتنوع الوسائل وبصورة تزايدت معها ضرورة مواجهة المجتمع الدولي لهذه التحديات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين ومعالجة أسبابها وتجفيف مواردها والتي غالبا ما يكون الأبرياء ضحايا لها.حيث تواجه الجمهورية اليمنية وشعبها الشقيق تحديات جسيمة بسبب تعنت الميليشيات الحوثية وإصرارها على نقض تعهداتها وتهديد أمن واستقرار منطقتنا ودولنا الأمر الذي تطلب اتخاذ إجراء لدعم الشرعية اليمنية وتحقيق الأمن والاستقرار لمنطقتنا. ونؤكد هنا ضرورة الالتزام بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والتجاوب مع جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بهذا الشأن.ولم تغفل دولة الكويت الاحتياجات الإنسانية للشعب اليمني في ظل هذه الأوضاع حيث أعلنت وبتوجيهات سامية من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه عن تقديمها تبرع بمبلغ مائة مليون دولار لسد تلك الاحتياجات.وفي سوريا تدخل الكارثة سنتها الخامسة بصورة طغت المعاناة الإنسانية المتزايدة على ما سواها من مشاهد الأزمة المتعددة فأعداد القتلى والجرحى تتضاعف وأعداد اللاجئين والنازحين في الداخل والخارج في ازدياد مستمر وما تدفق الأعداد الهائلة منهم على الدول الأوروبية إلا دليل واضح على حجم مأساتهم الأمر الذي يؤكد صواب تحذيرنا من عواقب هذه الكارثة على الأشقاء شعبا وعلى العالم تقويضا لأمنه واستقرار دوله.فمن خلال ما تقدم فان دولة الكويت تجدد موقفها الثابت والمبدئي بأن حل هذه الكارثة لن يكون إلا من خلال الطرق السياسية السلمية وبعيدا عن أي حلول أخرى يدفع الأشقاء في سوريا ثمنها.ونرحب في هذا الصدد بمساعي الأمم المتحدة وممثل الأمين العام لدى سوريا السيد ستيفان دي مستورا الرامية لحشد الجهود والدفع باتجاه وضع بيان جنيف رقم (1) لعام 2012 موضع التنفيذ.وفي إطار دعم المساعي الدولية والجهود الرامية لتخفيف المعاناة الإنسانية استضافت دولة الكويت من عام 2013 ثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا حيث بلغت التعهدات المعلنة فيها أكثر من سبعة مليارات دولار ساهمت دولة الكويت بمليار وثلاثمائة مليون دولار والتي سلمت الجزء الأكبر منها لوكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المعنية بالشأن الإنساني كما تم توزيع بقية هذه المساهمات عن طريق المؤسسات الخيرية المحلية العاملة في المجالين التنموي والإنساني.وفي الشأن الليبي نتابع باهتمام بالغ الاتفاق الذي أعلن عنه في مدينة الصخيرات المغربية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا لتشكيل حكومة وفاق وطني تنهي الاقتتال متطلعين الى أن يتفاعل الأشقاء في ليبيا مع هذه المبادرة بشكل إيجابي حتى يتمكنوا من إعادة بناء وطنهم ومؤسساته بما يحقن دماء الأشقاء ويصون سيادة وطنهم ووحدة أراضيه ويعيد الأمن والاستقرار الى ربوعه. السيد الرئيس تواجه منطقتنا مخاطر استثنائية وخطيرة تهدد أمنها واستقرارها نتيجة تنامي ظاهرة الإرهاب والعنف والتي اتخذت من الإسلام شعارا لممارسة أفعالها الإجرامية التي تنبذها كافة الأديان السماوية.إن ما اقترفه ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي من جرائم وحشية أشاع فيها القتل والدمار لا سيما في العراق وسوريا بشكل هدد الأمن والسلم الدوليين وتطلب إنشاء تحالف دولي لمواجهته ساهمت دولة الكويت بتقديم الدعم والإسناد له.لقد طالت ممارسات ذلك التنظيم المارق دولة الكويت عبر عمل إرهابي جبان استهدف مسجدا في شهر رمضان المبارك وراح ضحيته عدد من أبنائنا بين قتيل وجريح.لقد فوت التلاحم الوطني بين أبناء دولة الكويت قيادة وشعبا الفرصة على من أراد بهم الشر وأكدوا من جديد على تاريخهم الوطني الطويل والمشرف الذي قدموا خلاله سيلا من التضحيات في سبيل وحدة واستقرار دولة الكويت.وفي المجال الإنساني للمواجهة فقد استجابت دولة الكويت للاحتياجات الإنسانية للشعب العراقي حيث أعلنت عن تقديم 200 مليون دولار أمريكي لمساعدة الأشقاء وتخفيف معاناتهم بسبب الممارسات الوحشية لهذا التنظيم الإرهابي جار العمل حاليا على إنفاق هذا المبلغ بالتنسيق مع الجهات العراقية المختصة والمنظمات الدولية ونؤكد هنا دعمنا لكافة التدابير والإجراءات التي تتخذها الحكومة العراقية للحفاظ على أمن واستقرار ووحدة أراضي العراق.وفي هذا المقام تجدد دولة الكويت مواقفها المبدئية والثابتة في رفض كافة صور الإرهاب والتطرف والتعصب مهما كانت أسبابه ودوافعه ومصادره وهويته وتؤكد ان تعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الشعوب والأمم يأتي ضمن أولويات نهجها المتبع في السياسة الداخلية والخارجية والمستمدة من تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء وعلى أهمية بقاء التنمية والأمن وحقوق الإنسان متكاملة لنصل الى شمولية الاستراتيجية الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب تحقيقا للسلام والأمن الدوليين. السيد الرئيس تواجه الجهود الدولية والإقليمية الساعية لإرساء قواعد السلام في الشرق الأوسط العديد من العوائق نتيجة لتعنت إسرائيل التي ما زالت تواصل سياساتها التوسعية غير المشروعة من خلال إقامة المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة وحجز الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في سجونها ومعتقلاتها ومواصلتها الاعتداءات المتكررة بما في ذلك عدوانها العام الماضي على قطاع غزة والذي أدى الى دمار وخسائر غير مسبوقة في الأرواح والممتلكات ومع استمرارها في حصار غير قانوني ولا إنساني على القطاع وتصعيد اعتداءاتها على المسجد الأقصى الشريف والمسلمين هناك منتهكة بذلك كافة الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة مما يحتم على الأمم المتحدة ومجلس الأمن القيام بمسؤولياته ومواصلة الضغط والتحرك الجاد على كافة المستويات لحمل إسرائيل على القبول بقرارات الشرعية الدولية وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه السياسية المشروعة والاعتراف بدولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967 ووفق مبدأ الأرض مقابل السلام وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية.وفي ذات الإطار الإقليمي ترحب دولة الكويت بقرار مجلس الأمن 2231 الذي اعتمد فيه الاتفاق الشامل لخطة العمل المشتركة لمجموعة (5 + 1) وإيران والتي جاءت نتيجة للجهود الدبلوماسية الدولية على مدى عدة سنوات في معالجة الملف النووي الإيراني وتأمل دولة الكويت بأن تواصل جمهورية إيران الإسلامية تعاونها وتنفيذها الكامل لخطة العمل المشتركة وكذلك الالتزام بمسؤولياتها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والتجاوب مع جهود دول المنطقة ومساعيها لإرساء علاقات قائمة على التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وإنهاء احتلال الجزر الإماراتية الثلاث بما يسهم في تخفيض حدة التوتر وإشاعة الأمن والاستقرار في المنطقة.وندعو في هذا السياق إسرائيل الى الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار النووي وإخضاع جميع منشآتها النووية لرقابة وإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفيذا لقرار مؤتمر المراجعة للمعاهدة لعام 1995 بإنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.وفي الختام لا يسعني إلا أن أؤكد تمسك دولة الكويت بالنظام الدولي متعدد الأطراف وبمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة والإيمان بأهمية وضرورة الدفع قدما بكافة الجهود لضمان استمرار وعطاء منظمتنا العريقة من خلال وفاء جميع الدول بالتزاماتها ومسؤولياتها التي تعهدت بها في الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية بما يسهم في إيجاد حلول عادلة ومنصفة للتهديدات والتحديات العالمية وذلك للوصول الى الهدف الأسمى وهو حفظ السلم والأمن الدوليين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".