هانت علينا... فانهارت بين أيدينا!
الأسبوع الماضي، وفي مؤتمر بواشنطن حول الاستخبارات، قال مدير الاستخبارات العامة الفرنسية (دي جي إس إيه) برنار باجولية، وبجواره نظيره الأميركي جون برينان، إن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى، وإن دولاً رئيسية فيه مثل سورية والعراق لن تعودا أبداً كما كانتا، ولن تستعيدا حدودهما السابقة، بينما تتجه الأوضاع في ليبيا واليمن إلى ما يقرب النموذج الصومالي، أي الدولة الفاشلة المزمنة.بلاشك أن الفرنسي يقول هذا الاستنتاج وهو سعيد، رغم أن بلاده لها تكتيك معلن مختلف في هذه المرحلة تجاه الأزمة في سورية، وكذلك في العراق واليمن، ولكن المؤكد أن الغرب جميعاً وإسرائيل سعداء لما آل إليه الشرق الأوسط أو تحديداً العالم العربي ومن خلفه الإسلامي من تمزق وحروب وانهيار الدولة بشكلها المدني الحديث في غالبية الدول العربية، في ما عدا استثناءات محدودة ولكنها بشكل مشوه أو تحت هيمنة من العسكر، في حين تقدم إسرائيل نفسها على أنها نظام ديمقراطي علماني رغم أنها تطلب أن تكون أرض فلسطين دولة يهودية باسم إسرائيل! بينما يسكت العالم والغرب تحديداً عن هذا التناقض المفضوح من حكام تل أبيب الذين يمارسون الديمقراطية التمييزية على أرض محتلة، يمنح المحتل فيها الحقوق للمهاجر لها على أساس عنصري ديني، بينما يهجر ويقتل سكانها الأصليين!
نعم غادر الغرب على مراحل منطقتنا بعد الحرب العالمية الثانية تحت ما سمي بحركات تحرر وثورات، وإعلان استقلال دول عبر التراضي بين حكامها والمستعمر، ولكن الغرب يعرف تماماً عللنا وأمراضنا الاجتماعية والسياسية التي سيستخدمونها لاحقاً لتمزيقنا، كما زرعوا إسرائيل وكيلاً عنهم ويدهم الطولى في المنطقة، التي أسسها البريطاني، وزودها بالمفاعل النووي والسلاح المتفوق الفرنسي، ورعاها اقتصادياً الألماني، وحارسها الأمين الأميركي، وثبت الروسي شرعيتها في الأمم المتحدة (1948). ولم تكن الأمور بعد ذلك صعبة على من يريد تفتيت العالم العربي الذي يمثل تحدياً تاريخياً للغرب وموقعاً حيوياً يجب الهيمنة عليه، فثنائية الأقليات-الأصولية أو فكرهما في المنطقة كانتا كفيلتين بالباقي، لسقوط نموذج الدولة في كل الدول العربية، فقد كانت النزعة الأثنية والمذهبية هي الأعلى لدينا التي يهون بعدها كل ما عداها، بما فيها أمن وكيان العالم العربي والحفاظ على الدولة – الوطن، فتكفل بعضنا بتدمير دولهم من أجل المال والسلطة مثل العلويين في سورية، وأهل تكريت بالعراق، ونموذج حكم الأسرة من خلال النظام الجمهوري – علي عبدالله صالح وحسني مبارك ومعمر القذافي في اليمن ومصر وليبيا – على سبيل الحكم الفردي، والديمقراطيات الصورية في بعض الدول العربية التي تدار فيها العملية الانتخابية واللعبة الديمقراطية بالمال والنزعات العرقية والدينية والطبقية.إضافة إلى رعاية الأصولية الدينية الإسلامية فكانت لندن وواشنطن ترعيان السلفية الإسلامية والإخوان المسلمين بأموال الخليجيين المنشغلين بإسقاط المد القومي العربي الذي كان يعتبره بعضهم تهديداً لنظام الحكم فيه، بينما الخميني ينطلق من الغرب وتحديداً من باريس على طائرة فرنسية ليتسلم الحكم في طهران! ويؤسس لحكم الملالي الذي سيشعل المنطقة لاحقاً بمواجهات طائفية كبيرة ويثير النزعات المذهبية، وينشئ ميليشيات للأقليات الشيعية تخترق بواسطتها الدول العربية ومؤسساتها مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين باليمن، وحزب الدعوة وعشرات الميليشيات المسلحة العراقية التي تخدم جميعاً المشروع القومي الفارسي بعناوين وشعارات مموهة وخادعة، إضافة إلى الدور الخطير الذي تلعبه الأقليات الكردية مع كل أعداء العرب لتحطيم الدول العربية التي يعيشون فيها.المؤسف أن العالم أجمع كان يقرأ ما يحدث في منطقتنا، وما ستؤول له الأوضاع، ما عدا العرب وجامعتهم العتيدة كانوا في واد آخر، وكذلك المحزن أن دولاً كبرى كمصر والجزائر تقرأ حتى الآن الأحداث بمنظور آني وخاص بمصالحهما وضمن تجاربهما مع التيارات الإسلامية دون النظر للصورة بشكل شامل، وللأصابع التي تحرك تلك التيارات والجماعات الأصولية المتخلفة، بينما الرياض وحدها في المواجهة، ولكنها بدأتها في وقت متأخر، بعد أن كانت حساباتها ملتبسة وغير دقيقة سابقاً للأوضاع وخاصة في لبنان، وربما أصبحنا الآن في الوقت الضائع الذي يسبق انهياراً كبيراً للأوضاع السياسية والأمنية في المشرق العربي، كما ينبئ قادة الاستخبارات الغربية ويشتهون.