«مجزرة تشارلستون» تعيد إلى الأذهان «الخوف الأبيض» من «تغيير أميركا»
مقتل الأميركيين السود التسعة قبل أيام في الكنيسة الإفريقية التاريخية في مدينة تشارلستون بولاية ساوث كارولينا، على يد فتى أبيض لا يتجاوز الواحد والعشرين ربيعاً، سلط الضوء مجدداً على «حرب كامنة»، لا تلبث أن تشتد مظاهرها مع كل استحقاق مهم يستعد له الأميركيون.خطورة «الجريمة المذبحة»، كما وصفها الإعلام الأميركي، أنها أطلقت حوارات ساخنة وتصريحات لم تخلُ من التوتر، في حين بدأ السباق نحو البيت الأبيض يأخذ طابعاً رسمياً مع قرب اكتمال عدد المرشحين وعدتهم.
الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يكن بإمكانه التعامل مع تلك الجريمة من دون التطرق إلى عمقها العرقي ودلالاتها السياسية والاجتماعية.فقبل أيام جاء إعلان دونالد ترامب المليونير الشهير ترشحه رسمياً لسباق الرئاسة مليئاً بالنزعة العنصرية والشوفينية، فضلاً عن خطاب الاستعلاء الذي لم يوفر أحداً، مُركِّزاً جام غضبه ونقده على أوباما.أول رئيس أميركي أسود كان واضحاً حين طالب بالاعتراف بشكل صريح بأن الجريمة استهدفت رمزاً للأميركيين السود الذين كانوا يطالبون بالحرية، وأن مرتاديها كانوا دائماً من الناشطين لإنهاء العبودية، في ما يشبه التحذير من أن الجريمة أتت لتوقظ الأحقاد الدفينة وعناصر الكراهية التي لا تزال كامنة في المجتمع الأميركي.أسقف الكنيسة، الذي قُتِل، كان قد طالب أخيراً بأن تجري مراقبة رجال الشرطة وأعمالهم عبر كاميرات، رداً على الجريمة العنصرية التي تورط فيها أحد الشرطيين في المدينة نفسها قبل أشهر.لا أحد يتحدث عن توقيت مدبر للجريمة، لكن حصولها في هذا الوقت بالذات يشير إلى أن التحذيرات التي أُطلِقت لمعالجة أسباب نمو جرائم الكراهية في الولايات المتحدة، لم تحظ باهتمام كافٍ حتى الآن.ونشرت وكالة التحقيقات الفدرالية «إف بي آي» إحصاءً عن عدد الجرائم التي وقعت عام 2013 وتصنف في خانة الكراهية بلغت 5922 جريمة، تبين أن نحو 50 في المئة منها دافعها عنصري. وفي تقرير آخر، تبين أنه بين أبريل عام 2009 وفبراير 2015 وقعت هجمات إرهابية داخلية بمعدل جريمة كل 34 يوماً، أغلب دوافعها عنصرية أو عرقية.تساؤل الرئيس أوباما عن أسباب حصول هذا النوع من الجرائم بوتيرة مقلقة، لم يتخطَّ اعتبارها جرائم قتل عشوائية، في حين أن متابعة ما تكشفه الهيئات الحكومية ومكاتب التحقيقات عن مضمون ما ينشره المتورطون فيها على صفحات تواصلهم الاجتماعي فقط، يعبر عن مضامين سياسية، أقل ما يقال فيها أنها تعكس فكراً إرهابياً، يتساوى تماماً مع «الإرهاب الرسمي» الذي تقاتله أميركا.ويبدو أن احتمال «تغيير أميركا» كان كافياً لإثارة الهلع في نفوس العديد من الأميركيين، وخصوصاً لدى بعض محازبي الحزب الجمهوري ومؤيديه، الذي يصنف نفسه الحامي الأول لكل ما هو أصولي ومحافظ في هذا البلد.يذكر أن «تغيير أميركا» هو اسم حملة أطلقها متشددون بيض منذ سنوات رداً على دراسات سكانية تقول إنه من الآن حتى منتصف هذا القرن فإن عدد غير البيض سيفوق عدد البيض، ما قد يؤدي إلى تغيير البنية العرقية والسكانية للولايات المتحدة.وكان لافتاً تغيب كل مرشحي الحزب الجمهوري باستثناء المرشح الأسود بن كارسون جراح الأعصاب الشهير، عن أكبر اجتماع سياسي لقيادات الجالية الأميركية اللاتينية عُقِد في مدينة لاس فيغاس قبل ثلاثة أيام.البعض وصف هذا الغياب بأنه تكرار للخطأ الذي ارتكبه المرشح الجمهوري ميت رومني عام 2012 أمام أوباما، عندما تجاهل التواصل مع الأميركيين من أصول لاتينية، الأمر الذي أفقده دعمهم. لكن محللين كثيرين اعتبروا هذا التغيب تعبيراً سياسياً واضحاً عن موقع أغلبية الجمهوريين وموقفهم ونظرتهم إلى باقي «الأقليات». لا بل هناك من يحمّل أوباما نفسه مسؤولية وقوع تلك الجرائم بوتيرتها المرتفعة، خصوصاً في الفترة الأخيرة، نظراً لخرقه الكثير من «تابوهات» السلطة المتركزة بيد البيض.لكن لفت المراقبين كلامُه عن ضرورة مراقبة السلاح وانتشاره بيد الأميركيين، وكأنه تخلٍّ عن مهمة اعتبرها قبل نحو ست سنوات ونصف إحدى القضايا الرئيسة على جدول أعمال رئاسته.الرئيس أوباما قال في تعليقه على المجزرة، إن وضع حدٍّ لسلطة لوبي تجار ومنتجي السلاح في الولايات المتحدة قد تكون من أولى مهام الرئيس المقبل، الأمر الذي اعتبر استقالة سياسية من مهمة، عجز فيها حتى عن تمرير قانون يتشدد في التدقيق بالخلفية الأمنية لأي مشترٍ للسلاح من المتاجر المنتشرة في أميركا جنباً إلى جنب مع محال بيع التبغ والمأكولات السريعة!