كان العدوان الثلاثي عام 1956 استهدافاً لمصر ومكانتها ودورها العربي والإقليمي والعالمي أيضاً، لا للرئيس جمال عبدالناصر والتجربة الناصرية فقط، وكان استهداف أرض الكنانة، على مدى حقب التاريخ، استهدافاً لهذه المنطقة وللأمة العربية، والمعروف أن الفاطميين (الإسماعيليين)، الذين انطلقوا مما سُمي لاحقاً "المهدية" في جنوبي تونس، قد اتجهوا إلى مصر، حيث هم من سمّوا عاصمتها: "قاهرة المعز لدين الله الفاطمي"، في طريقهم إلى بغداد، وقبل ذلك إلى دمشق.

Ad

 وكل الحروب الإسرائيلية ضد العرب والأمة العربية كان هدفها "الاستراتيجي" مصر، فمصر هي أم الدنيا، ولعل ما لا نقاش فيه هو أن هزيمة العرب في حرب يونيو عام 1967 كانت هزيمةً لأرض الكنانة أولاً، وأن المؤامرات التي استهدفت هذا البلد العربي، ولاتزال تستهدفه، هي استهداف لهذه الأمة التي قدرها أن يكون وطنها في منطقة لا تماثلها في الأهمية أي منطقة في الكرة الأرضية.

ليس هذا مبالغةً على الإطلاق، فتأكيد مكانة مصر بالنسبة إلى العرب والأمة العربية سابقاً ولاحقاً وحتى الآن هو من قبيل الاعتراف بالحقيقة، فالفرنسيون بقيادة نابليون بونابرت عندما استهدفوا مصر خلال عامي 1801-1798 أرادوها منطلقاً لإنشاء إمبراطورية فرنسية في الشرق، والتضييق على التمدد الاستعماري البريطاني الذي كان قد وصل إلى الهند، وكذلك فإن اعتراض مياه نهر النيل هي محاولة لإضعاف هذا البلد العربي الطليعي، وإشغاله بنفسه داخلياً عن القضايا العربية المُلحة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

ولهذا رأينا كيف بدأ الإخوان المسلمون في معظم الدول العربية "يسنُّون أسنانهم" ويستعجلون السيطرة على الحكم في الدول التي يوجدون فيها، عندما اغتنم "إخوانهم" ظرفاً تاريخياً ساهم الأميركيون ومعهم الغرب كله في استعجاله، واختطفوا مصر اختطافاً من بين أيدي شعبها وقواها الفاعلة، ولعل ما لا خلاف عليه ولا جدال حوله هو أن فوز محمد مرسي العياط في الانتخابات الرئاسية على الجنرال أحمد شفيق كان عملية ابتزاز من الدرجة الأولى، ساهم فيها إدارة الرئيس باراك أوباما تحت ضغط تهديدات "الإخوانيين" بأنهم سيحرقون البلاد، إنْ لم يفُز مرشحهم في تلك الانتخابات.

والآن وبعد حرب سيناء، إذا دققنا في الأمور جيداً فسنجد أن هذه الحرب، التي ربما تتبعها حروب أخرى، بدأت عملياً خلال ولاية محمد مرسي العياط وقبل ذلك، فالإخوان المسلمون كانوا قد بادروا إلى تحويل هذه المنطقة، وساعدتهم بعض تنظيمات قطاع غزة المحسوبة عليهم، إلى مستودع كبير للأسلحة والذخائر والمتفجرات، وإلى قاعدة كبيرة للإرهابيين، وكان الهدف، ولايزال، الانتقال إلى دول عربية أخرى، اعتماداً على تنظيماتهم وتشكيلاتهم في هذه الدول.

وهنا... علينا أن نتذكر: ألمْ يرفع الإخوان المسلمون في الدول العربية التي لهم وجود فعلي فيها بعد وصول "إخوانهم" في مصر إلى الحكم شعار: "إننا قادمون"؟... ألمْ يغرِ هذا بعض القوى الإقليمية بالتفكير جدياً في إحياء الخلافة العثمانية؟... أليس ما يجري في ليبيا الآن، وما جرى في غزة بعدما أجبرت حركة حماس أهل "القطاع" على أداء قسم "الولاء والطاعة" للمرشد الأعلى بأصوات مرتفعة وأكفهم على المصاحف الشريفة هو تطورات في هذا السياق؟

ولذلك فإننا عندما نقف مع مصر في مواجهة الإرهاب الذي أُعطي اسماً حركياً هو: "داعش"، و"أنصار بيت المقدس"، بينما هو "إخواني" من ألفه إلى يائه، فإننا نقف مع أنفسنا وأبنائنا ومستقبل أجيالنا، ومع الحكم الديمقراطي الذي نسعى إلى تجسيده كحقائق في مجالات حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية... والاقتصادية.