«الدستورية» تجدد الثقة بالمادة 122 من سوق المال وتؤكد خلوها من العيوب الدستورية والتشريعية

المحكمة ردت على المشككين فيها بأنها لا تحاكم النوايا بل الأفعال التي لا تخطئها العين

نشر في 25-10-2015 | 00:02
آخر تحديث 25-10-2015 | 00:02
أغلقت المحكمة الدستورية الأربعاء الماضي باب الجدل السياسي بشأن سلامة ووضوح المادة 122 من قانون هيئة أسواق المال، والتي تلاحق التداول الوهمي من عدد من المضاربين في سوق الكويت للأوراق المالية، مؤكدة خلو المادة من العيوب الدستورية والتشريعية، ووضوحها التام لدى العاملين في سوق الكويت للأوراق المالية. وهذا الحكم ومضمونه يتفقان مع رأي هيئة أسواق المال التي دافعت عن قانونها وعن سلامة المادة دستوريا وقانونيا.

ووضعت المحكمة الدستورية، في حكمها البارز، النقاط على الحروف، لتغلق باب التأويلات والتفسيرات على المادة 122 من قانون السوق، والتي كانت محل جدل سياسي كبير بين عدد من النواب والحكومة، إثر مطالبة بعض النواب بإلغاء هذه المادة بهدف عودة حالة الفوضى التي كان يسيطر عليها التداول الوهمي في سوق الكويت للأوراق المالية قبل صدور قانون الهيئة من قبل بعض المضاربين الذين نجحوا سابقا في دفع المتداولين بحسن نية إلى اللحاق بتلك الأسهم لرفعها وتضخيمها ثم تركها لهم تتهاوى لاحقا.

وشددت المحكمة على حسم أربع مسائل مهمة هي أن النص يتوافق مع الدستور، ولا يتضمن أي مخالفات لنص المادتين 30 و32 من الدستور، وأن الغاية من القانون هي الحفاظ على التداول في السوق ومحاربة أي إخلال يضر بالمتداولين ويزعزع الثقة، وثانيا ان المادة 122 لها صورتان من التجريم هما أي تصرف يهدف إلى خلق مظهر زائف أو مضلل وإصدار أوامر أو تصرف بشأن أي ورقة مالية يترتب عليها رفع سعر الورقة أو خلق تداول وهمي بشأنها.

وثالثا وجهت المحكمة رسالة إلى المشككين بهذه المادة ولمن يتهمها بأنها تحاكم النوايا قائلة إنها لا تحاسب النوايا الداخلية التي يضمرها الإنسان، بل تحاسب الأفعال الخارجية، والتي لا يمكن أن تخطئها العين، كما أكدت ضرورة توافر القصد الجنائي العمدي لدى المضاربين إذا أرادت المحاكم إدانتهم، ورابعا وأخيرا انتهت المحكمة إلى عدم وجود قيود على القضاة في إصدار أحكامهم وبأن لهم التدرج في إصدارها بين الحبس والغرامة أو الاثنين معا.

توافق المادة مع الدستور

ولمزيد من التفصيل في شرح المسألة الأولى، التي انتهت إليها المحكمة الدستورية، بشأن توافق نص المادة 122 من قانون هيئة أسواق المال مع الدستور، وعدم مخالفتها تحديدا لنص المادتين 30 و32 من الدستور، اكدت المحكمة أن "الطاعنين يرون ان هذه المادة لا تحدد الأفعال المجرمة تحديدا واضحا، وأن عباراتها تتسم بالعمومية، وهو أمر رأته المحكمة الدستورية مخالفا للحقيقة".

واكدت أن "الدستور أكد في مواده التي يتم الاستناد إليها من قبل رافعي الدعوى أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية -التي يمارسها وفقاً للدستور- الحق في إنشاء الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها، وان اتخذ هذا المبدأ من كفالة الحرية الشخصية بنياناً لإقراره، وأساساً لتأكيده، إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد محتواه ومضمونه، بحيث لا يكون إنفاذه إلا بالقدر اللازم الذي يكفل صونها".

وزادت: "ولازم ذلك انه يجب ان تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وان تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، حتى يكون المخاطبون بها على بينة ومن حقيقة تلك الأفعال التي يتعين عليهم اجتنابها، تحقيقا لهدف المشرع من العقوبة وهو الزجر الخاص للمجرم جزاء وفاقا لما اقترفته يداه من جرم، والردع العام لغيره لحمله على الاعراض عن إتيان الجرم".

عدالة وتنافسية

وتابعت المحكمة، في سبيل تأكيدها على دستورية النص، ان "قانون هيئة سوق المال حرص على أن يكون تنظيم نشاط تداول الأوراق المالية متسما بالعدالة والتنافسية والشفافية، على نحو يوفر الحماية اللازمة للمتعاملين في أسواق المال، وبما يكفل الحد من الممارسات غير الملائمة وغير القانونية وغير العادلة في نشاط تداول الأوراق المالية، لذلك جرم الأفعال التي من شأنها الإخلال بحركة التعامل في السوق، وزعزعة ثقة المتعاملين فيه".

واردفت: "أن النص الطعين (المادة 122) جاء ليجرم صورتين من الأفعال، محدداً لكل صورة منهما ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، وفق قواعد منضبطة، وفي عبارات واضحة جلية يعلمها المتعاملون في السوق، دون تنافر بين المستفاد من ذلك النص وبين حكم العقل والمنطق، لا لبس فيه ولا إبهام".

وبذلك أكدت المحكمة وضوح المادة 122 وعدم مخالفتها لأي نصوص أو قواعد دستورية تقررها المادتان 30 و32 من الدستور وبوضوح الأفعال المجرمة لها، مؤكدة ان المتعاملين في السوق يعلمون تماما المقصود منها.

جريمتان في المادة

وفي المسألة الثانية، التي أوردها الحكم مكملة للمسألة السابقة في سبيل تأكيد الحكم الدستوري على صور تجريم هذه المادة مع بيان صوره بهدف الرجوع إليه فقها وقضاء وحسما لأي لبس عن المادة 122 من قانون الهيئة، أكدت المحكمة الدستورية ان "النص يجرم صورتين من الافعال، حيث إن الصورة الأولى التي يجرمها النص هي تلك التصرفات التي تنطوي على خلق مظهر أو إيحاء زائف أو مضلل بشأن التداول الفعلي لورقة مالية او لسوق الأوراق المالية".

ولفتت بعد تعريف تلك الجريمة الى ان "الركن المادي لها يتمثل في ادخال أمر شراء أو بيع ورقة مالية، وان يكون من قام بذلك عالماً وقت إدخاله الأمر بأن أمراً مقارباً من حيث الحجم والسعر وزمن البيع والشراء تم أو سيتم إصداره بالنسبة لذات الورقة المالية، من قبله هو نفسه أو من قبل أشخاص آخرين يعملون باتفاق معه".

وشددت على أن "الركن المعنوي لتلك الجريمة هو أنه لا يكفي مجرد التصرف في الورقة المالية بالبيع أو الشراء، وإنما يتعين أن يتوافر لدى المتصرف العلم بالأمر الآخر المقارب الذي قام به هو نفسه أو قام به أشخاص آخرون باتفاق معه".

واردفت ان "الصورة الثانية التي جرمها النص الطعين هي إصدار أوامر أو إبرام تصرفات بشأن ورقة مالية يترتب عليها رفع سعر تلك الورقة لنفس المصدر، أو خلق تداول فعلي أو وهمي بشأنها، على أن يكون ذلك بهدف حث الآخرين على الشراء أو البيع".

وبينت أن "الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في الأمر أو التصرف الذي يتم بشأن ورقة مالية مقترنا بقصد التأثير على سعر تلك الورقة، وأن الركن المعنوي هو قصد التأثير على سعر تلك الورقة لرفع السعر أو لخلق تداول في السوق بشأنها، سواء كان تداولا فعليا أو وهميا، لحث الآخرين على الشراء او البيع".

محاسبة النوايا

وعن المسألة الثالثة التي حسمها الحكم، وهي محاسبة الحكم للنوايا، وهو ما يتعارض مع الدستور، قالت المحكمة إن "الواضح من النص الطعين انه لا يعاقب على النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته، إنما يتعلق الأمر بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيا في صورة مادية لا تخطئها العين، وانه يتعين ان تقترن هذه الأفعال بقصد جنائي يتمثل في انعقاد نية الجاني واتجاه إرادته وانصراف قصده إلى ارتكاب الجريمة بأركانها على الوجهة المبينة بالنص، ليظهر القصد الجنائي في هذه الجرائم مكملا لركنها المادي، محددا لإرادة مرتكبها، كاشفا عما توخاه حقا من الأفعال التي اتاها، وبما مؤداه ان هذه الجرائم هي جرائم عمدية يعتبر القصد الجنائي ركنا فيها".

وأكدت أن "هذه الجرائم من الجرائم العمدية التي يعد القصد الجنائي ركنا فيها، وبالتالي فإنه لا يمكن معاقبة حسنيي النوايا أو من ليس لديه قصد جنائي لخلق مظهر زائف أو مضلل أو إصدار ورقة تهدف إلى خلق التداول الوهمي، وليشدد على المحاكم ضرورة التأكد من توافر القصد الجنائي العمدي قبل إدانة المتهمين في هذا النوع من القضايا".

وأفصحت عن هذا التشديد بضرورة عدم معاقبة أي متداول لا يتوافر لديه قصد جنائي للإضرار بالسوق أو بزعزعة نظامه بالقول "لا يكون إنزال العقوبة بمرتكبها إلا إذا قامت سلطة الاتهام بالتدليل على توافر أركانها بشروطها المحددة، وان تتحقق المحكمة بنفسها -على ضوء تقديرها للادلة التي تطرح عليها- من قيام الدليل على ارتكابها في كل أركانها وعناصرها، وان يكون المتهم مدركاً لحقيقتها ودلالتها الإجرامية إدراكاً يقينيا متجها لتحقيق نتيجتها".

عدم تقييد القاضي

بينما المسألة الرابعة التي حسمها الحكم تتمثل في باب العقوبات على المتهمين، حيث أكد الحكم أن القاضي ليس مقيدا بالعقوبات بين الحد الأدنى أو الأعلى، وله التدرج فيها، مؤكدة ان شرعية العقوبة من الناحية الدستورية مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً، وكان المشرع قد حدد العقوبة التي توقع على مرتكبي الأفعال المؤثمة الواردة في النص الطعين بأنها "الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تجاوز مئة ألف أو بإحدى هاتين العقوبتين"، دون ان يحجب هذا النص عن قاضي الموضوع ممارسة سلطته التقديرية في شأن توقيع العقوبة التي تتناسب مع الفعل المرتكب، أو يقيده في اختيار الجزاء المناسب الذي يرى ملاءمته وفق كل حالة على حدة من خلال العوامل الموضوعية المتصلة بالجريمة، وتلك العوامل الشخصية المتصلة بمرتكبها، ومن ثم فإن النعي على النص الطعين بعدم وضوح الأفعال المؤثمة وعمومية عباراته، يكون غير قائم على أساس صحيح.

وبذلك انتهت المحكمة على عدم وجود أية قيود فرضها النص على القاضي في اتخاذ العقوبات على المقدمين للمحاكمة الجزائية على المادة ١٢٢ من قانون سوق المال، خصوصا أن هذا التأكيد جاء انسجاماً مع ما أكدته في مقدمة حكمها على وضوح العبارات الواردة في المادة وصور التجريم، والأركان المادية والمعنوية والقصد الجنائي اللازم توافره لإدانة المتهمين عليها.

وكان عدد من النواب قد تحدثوا في تصريحات سابقة عن المادة 122، إذ قال النائب يوسف الزلزلة، إن الكثير من المتداولين أحيلوا إلى النيابة دون وجه حق، في حين أكد النائب جمال العمر أن فيها تعسفاً وحكماً على النوايا.

وبينما اعتبر النائب عبدالحميد دشتي المادة سبباً لمعاناة المتداولين، وصفها النائب عبدالله التميمي بأنها عوجاء ودمرت البورصة، في حين طالب النائب نبيل الفضل بوقف المهازل والإحالات إلى النيابة "الله لا يوفق هيئة الأسواق".

back to top