منذ 10 أكتوبر، قتل تنظيم داعش ومؤيدوه حول العالم ما لا يقل عن 525 شخصاً في ست دول خارج خلافته المزعومة، ويشمل هذا العدد 14 إنساناً بريئاً قتلهم في تجمع أثناء العطلة في سان دييغو بكاليفورنيا، زوجان لم تتنبه السلطات الأميركية إلى تطرفهما.
صحيح أن الرئيس أوباما بذل قصارى جهده ليطمئن الأميركيين بأن "داعش" سيُهزم في النهاية، إلا أن مآسي كاليفورنيا، وباريس، وبيروت تشير إلى عدو متطور، واسع الحيلة، يتقن استعمال الأدوات الرقمية ليسوق لعقيدة متخلفة حول العالم.بغض النظر عن الإجماع الذي توصلت إليه الإدارة الأميركية والكونغرس بشأن محاربة داعش، تبقى معركتنا على شبكة الإنترنت لتعطيل قدرة التنظيم على نشر دعايته بحرية، وتجنيده الأتباع، والتخطيط للاعتداءات، فضلاً عن وقف حملة الرعب التي يشنها على الإنترنت، هي الأكثر حسماً.تبدو الأدلة التي تؤكد قدرة الإنترنت على دفع الناس إلى التطرف والتشجيع على العنف واضحة؛ فقد انضم 30 ألف شخص (250 منهم من الولايات المتحدة وحدها، وفق التقديرات) إلى هذا التنظيم في العراق وسورية من دول عدة حول العالم منذ يونيو 2014.ويقدّم مشروع "مواجهة التطرف" صورة شاملة عن 90 أميركياً باتوا اليوم مقاتلين أجانب أو مؤيدين للتنظيم، وتبدو هذه مجموعة متنوعة، إلا أن القاسم المشترك بينها استخدامها وسائل التواصل الاجتماعي، فمع أكثر من 40 ألف حساب موالٍ لداعش على "تويتر" ترسل ما لا يقل عن 90 ألف رسالة يومياً، ومع نشر مئات أفلام الفيديو التي تمجد القتل، والاغتصاب، والوحشية، تتحول محاربة استخدام المجموعات المتطرفة منصات التواصل الاجتماعي كأسلحة إلى أحد أبرز مخاطر الأمن القومي.قبل أكثر من 15 شهراً، أطلق مشروع "مواجهة التطرف" حملة متواصلة رفعت النقاب عن استخدام "داعش" وسائل التواصل كسلاح، وخصوصاً "تويتر"، حيث يتعرض الأشخاص الضعفاء بادئ الأمر للدعاية والمحتوى المتطرفين، وعملت على تحديد حجم عمليات مماثلة؛ فحدد فريق الحملة بدقة المتطرفين وداعميهم وتتبع تغريداتهم بعدة لغات، فأشار إلى مئات الأمثلة عن تهديدات مباشرة وحض على العنف.ومع أن "تويتر" بدل شروط استخدامه، فلايزال غير فاعل في إزالة الرسائل العنيفة الداعمة لداعش، حتى عندما يلغي توتير حسابات يسيء أصحابها استخدامها، تظهر هذه الحسابات مجدداً في غضون دقائق.صحيح أن "تويتر" قد يتحول إلى نقطة عبور إلى عالم التطرف العنيف المظلم، لكن تقنيات أخرى، وخصوصاً الأجهزة والتطبيقات المشفرة، تؤدي دوراً أكبر في مساعدة الإرهابيين على التفلت من المراقبة أثناء التخطيط للاعتداءات وتنفيذها؛ فقد ذكر مسؤولون استخباراتيون أن أدلة كثيرة تشير إلى استخدام المخططين لمجزرة باريس، التي ذهب ضحيتها 130 شخصاً، تكنولوجيا مشفرة.بالإضافة إلى ذلك، يقر مكتب التحقيقات الفدرالي صراحة بالتحديات التي يواجهها نتيجة تشفير عمليات التواصل بين الإرهابيين، إذ يستخدم عدد متزايد من مزويدي خدمات البريد الإلكتروني، محركات البحث، ومواقع التجارة على الإنترنت، التشفير لصد القراصنة، فيستطيع عملاقا التكنولوجيا آبل وغوغل أن يضمنا أن الشخصين الوحيدين اللذين يقرآن رسالة هما مَن أرسلها ومَن تلقاها. أما مع الأجهزة المشفرة، فمالك الجهاز وحده يمكنه ولوج البيانات.بغية إدراك أهمية التشفير والتحديات الكبيرة التي تولدها التكنولوجيا في مجال الأمن القومي، لك أن تعرف أن "داعش" شكل فرقة كاملة من القادة تعلّم مؤيدي هذا التنظيم الطرق الأكثر أماناً والأقل كلفة للتواصل، حتى إنهم يصنفون التطبيقات وفق مستوى أمنها.بعد أشهر من المداولة، قررت إدارة أوباما أنها لن تدعو لتشريعات تفرض على الشركات فك شفرة الرسائل وتسليمها لقوى الأمن، وبدلاً من ذلك، ستواصل الإدارة سعيها لإقناع الشركات التي تشفر بيانات عملائها بالتوصل إلى تسويات تتلاءم مع التحقيقات الجنائية أو تلك المرتبطة بالإرهاب.أشار الرئيس أوباما إلى هذه المسألة بكل وضوح في خطابه عقب اعتداء سان برناردينو، إذ أعلن: "لهذا السبب، سأحض قادة التكنولوجيا العليا وأجهزة تطبيق القانون على التصعيب على الإرهابيين استخدام التكنولوجيا للهرب من العدالة".من السهل أن نفهم الأسباب التي تدفع شركات التكنولوجيا إلى تفادي الظهور بمظهر المتعاون مع الحكومة، ولكن مما لا شك فيه أن الشركات التي بدلت طرق التواصل بين الناس ابتكرت أيضاً أدوات جعلت الإرهابيين أكثر فتكاً، وقدرة على التخفي، وأكثر فاعلية في التربص حول العالم، باحثين عن الأكثر ضعفاً لكي يحوّلوهم إلى قتلة.كأميركيين، لم نتهرب مطلقاً من المناقشات الفاعلة بشأن موازنة حق حرية الكلام، والخصوصية، والسلامة، ومن الضروري أن نخوض اليوم مناقشة مماثلة بشأن التشفير، إن أردنا أن ننجح في تفادي قتل المزيد من الأبرياء في المستقبل.مارك والاس* سفير والمدير التنفيذي لمشروع "مواجهة التطرف"، والمدير التنفيذي لمشروع "موحدون ضد دولة إيرانية نووية".
مقالات
حربنا ضد «داعش» تبدأ على «الإنترنت»
20-12-2015