يقول الرئيس أوباما إن مَن يعارضون صفقة إيران النووية غير منطقيين أو متشددون عقائدياً، أنا أدعم الصفقة، ورغم ذلك أعتقد أن تقييمه غير دقيق وغير عادل، فضلاً عن أنه يضعف قضية الرئيس للحصول على موافقة الكونغرس،
صحيح أن هذه القضية قوية، إلا أنها ليست حاسمة، ولا يمكننا الجزم أنها ستنال الموافقة، فالعقول التي تفكر منطقيا قد تختلف حيال مسألة دعمها، وهذا ما يحدث بالفعل.فهم أوباما في الماضي هذه المنطقة الرمادية في الخيارات السياسية الصعبة ورحّب بها، فبذل هذا السياسي الجهد لتسليط الضوء على مخاوف مَن يقفون في الجانب الآخر من كل مناظرة معقدة وتأكيد مصداقيتها، لكن أوباما الجديد الذي بات أكثر قسوة ومرارة (وهذا ما يتضح من خلال خطابه الأخيرة في الجامعة الأميركية وما تلاه من مقابلات)، ما عاد يملك أي تسامح تجاه مَن يتوصلون إلى خلاصات معاكسة.لا شك أننا نلاحظ مقداراً كبيراً من المعارضة التلقائية من منتقدي الصفقة الجمهوريين، فالفجوة بين رد الفعل السياسي الغاضب تجاه الصفقة في الولايات المتحدة والغياب شبه التام لمناظرة مماثلة بين الحلفاء الأوروبيين واضحة، فإن كان أوباما ضعيفاً إلى حد دعم صفقة مليئة بالشوائب، فكيف نبرر دعم الحكومة المحافظة البريطانية والاتحاد المسيحي الديمقراطي اليميني الوسطي في ألمانيا؟بالإضافة إلى ذلك، ثمة مجموعة (على رأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) تعتبر أن كل صفقة مع إيران غير مقبولة، مهما كانت، فهم يحددون الأطر الضرورية لاتفاق مماثل بشكل واسع (يجب ألا تتخلى إيران عن برنامجها النووي فحسب، بل أن تكف أيضاً عن نشاطاتها التي تزرع عدم الاستقرار في المنطقة)، مما يلغي أي احتمال بأن تقبل بها إيران.في الوقت عينه يصر هؤلاء على أننا لا نستطيع الوثوق بأن إيران ستلتزم بأي اتفاق توقعه. إذاً ستعارض هذه المجموعة الصفقة مع إيران، بغض النظر عن محتواها.ونتيجة لذلك يُعتبر استياء أوباما مبرراً إلا أنه لا يدعم حججه، فلا يقبل أوباما الجديد أي رأي مخالف، ويرفض أي تشكيك بالنتائج المثبتة، فقد أعلن في الجامعة الأميركية: «إذاً، لا تُعتبر هذه الصفقة الخيار الأفضل بين البدائل فحسب، بل أيضاً أقوى اتفاق جرى التفاوض بشأنه للحد من انتشار الأسلحة النووية».وأوباما لا يمنح مخاوف خصومه أي شرعية، بل يشكك في حسن نواياهم وما يدفعهم إلى التعبير عنها، فقد قال: «يقدّم كثيرون ممن أيدوا الحرب في العراق الحجج اليوم لرفض الصفقة النووية مع إيران».كذلك بالغ أوباما على محو مضلل في عرض قضيته عندما أكد أن الصفقة «تمنع بشكل نهائي إيران من الحصول على سلاح نووي». قد يكون هذا صحيحاً من الناحية اللغوية، أي أن «القانون أو الحكم، أو أي سلطة أخرى تحظره»، إلا أنه ليس كذلك من الناحية العملية، أي أنه لا يمنع إيران من الحصول على سلاح، في حال صممت على ذلك بعد انتهاء صلاحية الاتفاق، لكن أفضل حجة لدعم الصفقة تبدو في الوقت عينه «مفرغة» على نحو مثير للاستياء: ادعموا هذا الاتفاق لأننا لا نملك أي بديل راهناً أو في المستقبل القريب.فجمع الكونغرس الأصوات الضرورية لتخطي رفض الرئيس، ولن تكون النتيجة إعادة مجموعة دول 5+1 إلى طاولة المفاوضات بغية التوصل إلى صفقة أفضل، بل سنشهد انهيار نظام العقوبات الدولية الحالي، وستصبح الولايات المتحدة معزولة وضعيفة كمفاوص موثوق به، وسيتحرر الإيرانيون من الضوابط المتفق عليها ويصبحون بالتالي أقرب إلى تطوير سلاح نووي.صحيح أن هذه الحجة مقنعة إلا أنها لا تفسح المجال أمام مَن يملكون مخاوف محقة بشأن الصفقة: مَن يعبرون عن قلقهم حيال مليارات الدولارات التي ستُحرر لتصل إلى أيدي الإرهابيين، ومَن يعتقدون أن المفاوضين استسلموا في وقت مبكر جداً بشأن الجدول الزمني، مما قد يسمح لإيران باستئناف نشر الأسلحة النووية، ومَن يخشون أن نظام التفتيش ما زال يضم الكثير من الثغرات أو يشكون في القدرة الفعلية على إعادة فرض العقوبات، فلا داعي أن تكون متشدداً عقائدياً أو غبياً لتراودك مخاوف مماثلة.في الختام، تُعتبر الحجة «غير المفرغة» الأقوى لدعم هذه الصفقة الأكثر بساطة: في ظل غياب صفقة سيكون الوقت الذي تحتاج إليه إيران لتطور سلاحاً نووياً بضعة أشهر، وقد تنجح الضربة العسكرية في تأخير تطور مماثر بنحو ثلاث سنوات، إلا أن الصفقة تدوم عشر سنوات (القيود على أجهزة الطرد المركزي) إلى 15 سنة (القيود على تخصيب اليورانيوم).ونكون بهذه الطريقة قد اشترينا الكثير من الوقت، رغم مخاطر الخداع والثمن الباهظ، وكلما شدد الرئيس على هذه الحجة حدّ النقاد من إهانته، حتى أولئك الذين يهينونه وينعتونه بالمفاوض المتقلب والساذج، وهذا أفضل بالتأكيد.*(واشنطن بوست)
مقالات
أوباما غاضب وغير منصف بشأن إيران
20-08-2015