إبداع محلي في التصدي لمشاكل محلية
يستطيع المجتمع الدولي أن يلعب دوراً مهما، إذ ستتبنى الأمم المتحدة هذا العام أهداف التنمية المستدامة، كبداية للمرحلة التالية من الجهود العالمية الرامية إلى استئصال الفقر وتحسين الصحة.
بينما نتعلم المزيد عن التهديد المتمثل بالأدوية الرديئة والمغشوشة، بات من الواضح أنها مشكلة أعظم كثيراً مما كنا نتصور سابقا، وهي أيضاً كارثة مفزعة ومحسوسة بشكل أكثر حِدة في البلدان النامية، حيث تقتل المستحضرات الصيدلانية المغشوشة والمنخفضة الجودة أكثر من 500 ألف شخص سنوياً وتؤثر في ملايين آخرين من خلال إسهامها في ظهور أمراض مقاوِمة للعلاجات القائمة.وما يزيد المشكلة تعقيداً ذلك النهج الذي يتبناه صناع السياسات في العالم النامي، والذين هم أكثر ميلاً إلى البحث عن حلول في الخارج لا الداخل، والواقع أن قِصَر النظر على هذا النحو خطأ فادح يعرقل الإبداع والتقدم، فعندما يتعلق الأمر بالتصدي لتحديات صحية عالية التأثير مثل انتشار الأدوية المغشوشة أو الرديئة، يصبح من المرجح أن تشكل الحلول والإبداعات المحلية أهمية بالغة في دفع أي جهد ناجح؛ ليس هذا فحسب، بل إنها تملك القدرة أيضاً على تقديم مزايا تذهب إلى ما هو أبعد من نطاق المشكلة الأصلية.
في مختلف أنحاء العالم النامي، ولكن بشكل أكثر وضوحاً في إفريقيا، هناك مجموعتان تهتمان بإيجاد الأدوات اللازمة لمكافحة خطر العقاقير الرديئة، تسعى إحدى المجموعتين، التي تضم الطلاب ورجال الأعمال والباحثين، إلى إيجاد حلول محلية وأصلية، وهي مصممة وفقاً لاحتياجات مجتمعاتهم، ويسارع أفراد هذه المجموعة إلى تقاسم الأفكار ويحرصون على التعاون، ورغم أن هذه المجموعة أنتجت بعض الحلول المبدعة- على سبيل المثال يستخدم رجل الأعمال الغاني برايت سيمونز تكنولوجيا أجهزة الاتصال المحمولة لمعالجة مشكلة الأدوية المغشوشة- فإنه لا بد أن يشارك عدد أكبر كثيراً من المخترعين المحليين ورجال الأعمال المتحمسين.أما المجموعة الأخرى فتتكون من المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك الهيئات التنظيمية، وهم أيضاً مهتمون بشدة بالتصدي لكارثة الأدوية الرديئة والمغشوشة، ولكنهم غير راغبين في الاعتماد على الإبداع المحلي، فهم يعتقدون أن الحلول موجودة بالفعل، في هيئة تكنولوجيا راقية تم تصميمها وتطويرها في أكثر بلدان العالم ثراء، ويكمن التحدي في نظر هذه المجموعة في إيجاد الموارد المالية اللازمة لاستيراد هذه التكنولوجيات.في نظر زعماء البلدان النامية يبدو الجهد اللازم لخلق نظام بيئي يدعم الإبداع مهولا، ويبدو العائد على الاستثمار ضئيلاً للغاية، وفي عدد لا يحصى من المؤتمرات والندوات، يصر المسؤولون الوزاريون والموظفون الحكوميون على ضرورة إيجاد الأموال لاستيراد الحلول بشكل منفصل، أما البحث والإبداع أو التعامل مع رجال الأعمال والمخترعين المحليين فهي ليست من الخيارات الواردة على الأجندة على الإطلاق للأسف، فلا يوجد ببساطة أي قدر يُذكَر من الاهتمام بالاستفادة من المجمع الهائل من الفِكر والحماس والطاقة في الداخل.من الحكمة أن يعيد المسؤولين النظر في هذا النهج، فهناك أدلة متزايدة تشير إلى أن الحلول المستدامة لابد أن تحظى بدعم محلي وشركاء محليين، ومن الواضح أن جمع الأموال لاستيراد الحلول من الخارج لا يعالج سوى جزء واحد من التحدي.إن العديد من البلدان تفتقر إلى الموارد اللازمة لتركيب وتشغيل وصيانة معدات لم يتم تصميمها محليا، ومع تسبب الاستخدام الرديء والإهمال في تعطل المعدات يصبح من الضروري جمع المزيد من الأموال، وإلا تتوقف البرامج ببساطة، ولا يتوقف فشل هذا النهج عند الإخفاق في تعزيز أنظمة الإبداع المحلية، وهو أمر محبط للغاية في حد ذاته؛ بل إن فشله يمتد أيضاً إلى الإخفاق في حل المشكلة المطروحة، وبشكل متكرر. ورغم أن بعض الحلول في مجال اختبار جودة العقاقير تأتي من رجال أعمال أفارقة مثل سيمونز، فإن هذه الأمثلة نادرة للغاية، وكثير منها يطور في الخارج بدعم من منظمات من خارج المنطقة، ولا تحرص مثل هذه المبادرات على إشراك الطلاب المحليين غالبا، ولا تركز المناهج المحلية على التحديات المحلية ولا تشجع الإبداع المحلي.بيد أن المواهب المحلية تشكل أهمية بالغة للتوصل إلى حلول أصلية ومستدامة، والواقع أن الإبداع المحلي، من خلال رعاية ثقافة شاملة من البحوث، يملك القدرة على توفير فوائد تمتد إلى ما هو أبعد كثيراً من المشكلة المحددة التي يجري تناولها.إن تشجيع مشاركة الفئات غير الممثلة بالقدر الكافي وخلق الفرص للتعليم والتعلم لا يساعد في خلق القيمة المعنوية وتسجيع الشفافية والمساءلة فحسب، فبناء أساس مستقر لأبحاث المستقبل يعمل أيضاً على تمكين إنشاء شراكات أكثر إنتاجاً بين القطاعين العام والخاص، وإيجاد روابط قوية بين الأوساط الأكاديمية والصناعة المحلية، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي.الحق أن المنظمات الأجنبية، مثل وكالات المساعدات أو شركات الأدوية، تستطيع أن تلعب دوراً في تعزيز الإبداع المحلي، فبوسعها أن توفر له الدعم المالي، وتعمل على إنشاء شراكات جديدة وتشجيع صناع السياسات على منحه المزيد من المصداقية.ويستطيع المجتمع الدولي أيضاً أن يلعب دوراً مهما، إذ ستتبنى الأمم المتحدة هذا العام أهداف التنمية المستدامة، كبداية للمرحلة التالية من الجهود العالمية الرامية إلى استئصال الفقر وتحسين الصحة، وكما يُظهِر مثال كفاح الدول النامية المستمر ضد الأدوية المغشوشة والرديئة، فإن النجاح سيعتمد- في أغلب الأمر- على الإبداع المحلي.* محمد زمان أستاذ هندسة الطب الحيوي في جامعة بوسطن.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»