هيئة مكافحة الفساد وعجز الميزانية العامة
أي هيئة للنزاهة أو لمكافحة الفساد غير مستقلة عن الحكومة لن تستطيع، مهما صدقت النيات، منع الفساد السياسي وتعارض المصالح، أي استغلال كبار المسؤولين لوظائفهم من أجل تحقيق منافع خاصة أو ما يطلق عليه «الكسب غير المشروع»، لذا فإن وجودها يعتبر عبئاً مالياً جديداً وتكلفة إضافية على الميزانية العامة للدولة.
![د. بدر الديحاني](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1472378832591788600/1472378876000/1280x960.jpg)
جميعنا نعرف أن بعض كبار المسؤولين (وزراء، وكلاء، أعضاء مجلسي الأمة والبلدي، رؤساء الهيئات العامة) لديهم شركاتهم الخاصة، ومن الوارد جدا أن تستفيد شركاتهم من القرارات التي يتخذونها أو يشاركون في اتخاذها، فهل تستطيع هيئة مكافحة الفساد، في وضعها الحالي، منع تعارض المصالح لا سيما أن ذلك سيوفر مبالغ ضخمة على الميزانية العامة للدولة التي تدّعي الحكومة أنها تعاني عجزاً فعلياً؟ أما موضوع الذمة المالية لكبار الموظفين العموميين، فمع أهميته القصوى إلا أنه لا يكفي أن يعلن موظف عمومي ما لوسائل الإعلام أنه قدّم كشفاً بذمته المالية، حيث إن لذلك متطلبات وشروطاً محددة تستلزم وجود حزمة تشريعات وقوانين يقوم بتنفيذها جهاز إداري ومالي مستقل، وفاعل، وقوي يستطيع التأكد من صحة المعلومات المُقدّمة ومتابعتها في ما بعد سواء أثناء الاستمرار في تولي الوظيفة العامة أو بعد تركها مباشرة. لقد سبق أن كتبنا عن تكلفة الفساد السياسي، ودعونا ضمن آخرين أن تكون هيئة مكافحة الفساد مستقلة ماليا وإداريا بحيث لا تتبع للحكومة، كما هو الوضع حاليا، كي لا تصبح جهازا شكليا من دون أنياب، يضاف إلى الأجهزة الصورية الموجودة حاليا، وتتحمل خزينة الدولة تكاليفه المالية من دون عائد مجدٍ لأنها لن تستطيع مكافحة فساد المنظومة السياسية، أي الفساد السياسي الذي يعتبر أشرس أنواع الفساد وأكثرها تدميراً لأركان الدولة ومفاصلها؛ لأنه يوفر البيئة الحاضنة والراعية لأنواع الفساد الأخرى، بل إن تعرّض السلطات العامة للفساد يعتبر أحد مؤشرات الدولة الفاشلة التي لا تستطيع القيام بوظائفها الأساسية بالشكل الصحيح.إن أي هيئة للنزاهة أو لمكافحة الفساد غير مستقلة عن الحكومة لن تستطيع، مهما صدقت النيات، منع الفساد السياسي وتعارض المصالح، أي استغلال كبار المسؤولين لوظائفهم من أجل تحقيق منافع خاصة أو ما يطلق عليه «الكسب غير المشروع»، لذا فإن وجودها يعتبر عبئاً مالياً جديداً وتكلفة إضافية على الميزانية العامة للدولة من الأفضل توفيرها لتقليل العجز بدلاً من البحث في جيوب أصحاب الدخول المتوسطة والفقراء لتغطية عجز مالي هم في الأساس غير مسؤولين عن حدوثه.