حين يقع الفأس بالرأس
شئنا أم أبينا، لنقر بأن الفأس وقع بالرأس، ولا نملك أمراً ما لنغير المقسوم، ومثلما يقولون فإن المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين، وهي عيون الواعين من ناحية، وهو الجبين الكويتي، أو الخليجي والعربي، من ناحية أخرى، رغم أن أزمة الاقتصاد عالمية، وأصابت معظم دول العالم، ولا تكاد تستثني غير الولايات المتحدة.في دول منطقتنا الخليجية، وصفت جريدة أجنبية الحال بأن قنبلة اقتصادية انفجرت، وضحاياها هم أكثرية الناس "إلا..."، وتعرفون بقية الجملة، وما يتبع استثناء "إلا"، أي جماعة الأدوار العليا الذين يديرون أمور السياسة والاقتصاد منذ عهود قديمة، لا يتغيرون ويرفضون أي تغيير، سواء كان سعر النفط بمئة دولار أو عشرين، المهم أن حصصهم من الثروة المتناقصة تنمو ولا تنقص، ووضع عصا في دولاب الفساد ليس من شأنهم.
أياً ما تكون عليه الأمور اليوم، فمن المؤكد أن الأكثرية ستعاني من القادم، ستعاني من رفع الدعم، ومن زيادة رداءة الخدمات العامة، وستعاني الكثير من قضايا لم تكن تدري عنها ولم تكن تهمها بالأمس، فقد كان يتم إلهاؤها بالماضي بالعطايا والمنح من جيب المستقبل حتى تنسى أمر السياسة ولا تكترث لحقوقها في المشاركة السياسية وواقع الفساد، وتلك كانت من سمات الحالة الريعية، أي ترك الشعوب تحيا بحالة لا مبالاة لحقوقهم السياسية وغرق في الاستهلاك، وخواء ثقافي، وتواكل على عمل الغير.وقد تستمر سياسة الإلهاء حتى مع تناقص غلة العائد المالي، حين تنفخ هذه أو تلك الدولة وأي دولة من شاكلة دولنا العربية الاستبدادية لخلق أزمة خارجية، أو تزيد تفاقم واقع خارجي مأزوم حتى يلتف رعايا هذه الدول حول نظامهم السياسي ويعضدوه متناسين حالهم وجروحهم، مثال بسيط على الإلهاء يتمثل في غزو صدام للكويت عام 90، وهناك أمثلة كثيرة من الماضي والحاضر.تذكر حديث "رب ضارة نافعة" يكون مفيداً الآن أكثر من أي وقت مضى، فتناقص مورد الدولة وتقصير ثوب الريع المهلهل سيكون سبباً لنهضة وعي الأكثرية بحالهم، وتنامي إحساسهم بحرمة المال العام، وبالتالي زيادة قلقهم الصحي من القادم، فلا ينظرون إلى مآسي مشهد أطفال يتضورون جوعاً في "مضايا" بسورية، أو مشهد عوائل بائسة تنزح نحو الجبال هرباً من القتال والجوع في اليمن التعيس من باب التعاطف والشفقة فقط -وهذا واجب- وإنما من باب أن تلك المشاهد قد تتحقق عندنا في يوم ما، فلسنا كبشر أفضل من أهل سورية أو اليمن، أو في أي مكان حكم عليه الظلم أن يعيش أهله بمثل تلك المآسي، كانت لنا صدفة نفطية، وهي توشك على الزوال الآن، فماذا سنصنع، وكيف يمكن أن نشد من الحزام اليوم، ونصرخ عالياً، مطالبين بغلق أبواب الهدر والفساد، وندعو لفتح أبواب الإصلاح السياسي، ونؤشر مباشرة على عورات الفساد، فقد كانت بحبوحة المال بالأمس، تغطي العيون وتشل الوعي عن قراءة الحال، لم يعد هذا الغطاء متوافراً اليوم، فاصحوا يا جماعة!