«معركة الرقة» تنزع «ورقة التوت» عن موسكو
هل تبدأ روسيا مراجعة حسابات تدخلها في سورية بشكل مبكر عما كان متوقعاً، أم أن حسابات القيصر وسمعته وتاريخه لا تسمح له بتقبل هذا «الترف» الذي لا مكان له في قاموسه السياسي؟سؤال تتردد أصداؤه في واشنطن وفي عواصم غربية عدة منذ كشف واقعة سقوط أو «إسقاط» الصواريخ البالستية الروسية في إيران الأسبوع الماضي.
لكن ماذا عن صواريخ «التاو» الأميركية المضادة للدروع التي ظهرت فجأة وبأعداد غير مسبوقة بأيدي مقاتلي المعارضة السورية، في ما وصف بـ«مجزرة الدبابات» التي تناقلت وسائل الإعلام صورها نقلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي، وأشارت إليها وسائل الإعلام الأميركية بكثافة؟مسؤولون أميركيون تحدثوا بشكل مستفيض عن احتمال تحول سورية ساحة مواجهة بالوكالة مع موسكو ولو عن غير قصد، رغم حرص الرئيس باراك أوباما على تفادي هذا الاحتمال كما أعلن في خطابه الأخير.فالتصريحات الروسية المتضاربة، سواء حول سير المعارك أو الاتصالات السياسية والجهود الدبلوماسية المكثفة التي باشرتها موسكو، توحي بأن الحسابات الروسية المبسطة تجاه الواقعين الإقليمي والدولي، لم تكن واقعية أو على الأقل لا تعكس حقيقة الواقع.فالهجوم البري الذي انطلق الأسبوع الماضي بدأ في التحول إلى مستنقع يؤكد التحذيرات التي أطلقت بشأنه، بعدما نجحت بعض الفصائل السورية في استيعاب الهجوم، وأطلقت هجمات مضادة، مكنتها من استرداد ما خسرته في بعض المناطق كبلدة كفرنبودة في ريف حماة. وتؤكد مصادر أميركية أن التغيير الذي أعلنه البيت الأبيض الأسبوع الماضي بالنسبة إلى مستقبل برنامج تدريب المعارضة السورية، كان إعلاناً شكلياً، والدليل بدء تسليح «قوات سورية الديمقراطية».فتقييم البرنامج تم قبل أكثر من شهر سواء في البيت الأبيض أو في جلسات الاستماع العلنية في الكونغرس بحضور قيادات عسكرية وأمنية مختلفة، بدا واضحاً بعده أن العمل جار على توفير بدائل أخرى.تقول تلك الأوساط إن ما اعتبرته موسكو اللحظة المناسبة للانقضاض على محصلة «سياسة التردد والارتباك السياسي» لإدارة الرئيس أوباما، قد يتحول إلى مغطس لا يمكن التكهن بمخارجه، بعد الإعلان عن إنزال مئات الأطنان من الذخائر والمعدات لتحالف من المقاتلين العرب والكرد شمال سورية، تحضيراً لمعركة استعادة مدينة الرقة من تنظيم داعش.فتجهيز 50 ألف مقاتل لهذه المهمة، لن يترك لموسكو حجة كافية للاستمرار في حربها ضد المعارضة السورية دعماً لنظام بشار الأسد.التصريحات الروسية الأخيرة التي شددت على استبعاد التورط برياً أو في حروب دينية واستعدادها للتحاور مع الجيش الحر، تعبر عن مأزق سياسي بدأت تستشعره موسكو بشكل مبكر، فيما الحديث عن التدخل عسكرياً للدفاع عن مناطق آمنة لأسباب إنسانية في شمال سورية وجنوبها، ارتفعت أسهمه مع اتجاه 50 نائباً من حزب العمال البريطاني لرفع مشروع قرار بهذا الشأن إلى مجلس العموم بالشراكة مع المحافظين، ليشكل أقوى مؤشر على احتمال تحوله إلى خيار واقعي.تقول تلك الأوساط إن تصويت مجلس العموم البريطاني عام 2013 لمعارضة التدخل العسكري ضد الأسد بعد استخدامه السلاح الكيماوي، كان أحد الأسباب التي أقنعت أوباما بالتراجع عن خطوطه الحمر.اليوم مع الاستعداد لبدء الهجوم على «داعش» في الرقة وعلى خلفية الهجوم الناجح على موكب البغدادي وقياداته، سيصعب على الروس مواصلة تسويق خطابهم المتواري خلف شعار مقاتلة الإرهاب.