هل الوطن مسقط رأس آبائنا وأجدادنا أم مسقط رؤوسنا أم هو مراتع الطفولة والذكريات الجميلة؟ هل هو حقيقة أم كلام فلاسفة؟ وما الرابط بينه وبين الأرض؟ وهل يمكن أن يكون للإنسان أكثر من وطن؟ وهل للوطن هوية أم انتماء؟ وهل هو بالنسبة إلى أحدنا كلمة مغروسة في أعماق ذواتنا أم هو كلمة مسطرة في الكتب والقواميس فقط؟
أعتقد أن الوطن هو كل ما سبق وأعمق كثيراً، إنه الحب الذي لا يمكن أن يتغير أو يتبدل، إنه حنين وشعور داخلي يزداد ويستعر أواره وأوار حبه كلما ابتعدنا، إنه أمل في قلب كل منا، وفي خلجات وجدانه، يقول أحمد شوقي:وطني لو شغلت بالخلد عنهنازعتني إليه في الخلد نفسيويقول آخر:إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمعهود الصبا فيها فحنوا لذالكاإذاً فما الوطنية؟ وهل يمكن أن يكون هناك وطن ولا تكون وطنية؟ فالوطنية اصطلاحاً هي: مواقف إيجابية يبذلها ويقوم بها الناس إما فرادى أو جماعات لنصرة وطنهم وإبداء مظاهر محبته والذود عنه، ومن هذه المواقف سنذكر فخرنا بثقافتنا وتطوعنا لتقديم كل الجهود العسكرية والمدنية في زمن الحرب، والسعي إلى رقيه وتقدمه بين الشعوب والأمم من تلك العاطفة الجياشة التي تعبر عن الولاء للوطن وحبنا له. إذاً الوطنية هي مدى ذلك الارتباط الدقيق الوثيق بالوطن والحفاظ على سلامته، وبالتالي فهي ارتباط كلي بالأرض لا يمكن تجزئته ومنحه كليا أو جزئيا للوطن، ولا يمكن أيضا منحه لأي توجه آخر، سواء كان سياسياً أو دينياً عقدياً. وورد حب الوطن في المعاجم، فيقول ابن منظور في "لسان العرب": "الوطن هو ذلك المنزل الذي نقيم فيه وهو موطن الإنسان ومحله، فيقال الوطن فلان أو أرض كذا اتخذها محلاً وسكناً"، ويقول الزبيدي إن "الوطن منزل الإقامة ومحلها، وجمعه أوطان"، بينما يعرف الجرجاني الوطن كمصطلح بأنه الموطن الأصلي ومولد الرجل والبلد الذي هو فيه، أما في المعاجم السياسية فيمكن إيراد تعريف الوطن بأنه هو البلد الذي يسكنه الإنسان ويشعر بارتباطه وانتمائه إليه. وبعد هذا ماذا نقول لمن يطعن وطنه أو يتآمر على أمنه وأمن أمته؟ هل هذا يستحق أن يكون مواطنا؟ الجواب: لا وألف لا، فحب الأوطان لا يتجزأ، والتاريخ مليء ومكتوب بأحرف سوداء للخونة والخائنين، كما هو موشى ومزين ومرصّع باللآلئ والدرر للمخلصين لأمتهم وأوطانهم، ولعل أشهر قصص الخيانات التي اتخذت مثلاً هي قصة أبي رغال، حيث كان الخائن الأكبر في التاريخ لهذه الأمة، فقد جعل من نفسه مطية ودليلاً لأبرهة الحبشي عندما جاء لهدم الكعبة، فأصبح كل من يزور بيت الله الحرام يرجم قبره، وصار مضرباً للأمثال لدى العرب يضربون به رمزاً للخيانة، حتى قال جرير وهو يهجو الفرزدق:إذا مات الفرزدق فارجموهكرجْمِ الناس قبرَ أبي رغال وفي مضرب الأمثال للخائنين لأمتهم وأوطانهم لا يمكن أن ينسى أيضا مقولة يوليوس قيصر الشهيرة التي أصبحت مثلاً "حتى أنت يا بروتس"، فقد خان بروتس صديقه، وكذلك من الخيانات خيانة "مير جعفر" التي مكنت الإمبراطورية البريطانية من حكم الهند 200 عام، ومن خيانات العصر الحديث والعديدة خيانة "روبرت بنسن الأميركي" وكيل مكتب التحقيقات الفدرالية، حيث باع أكثر كمية من معلومات في تاريخ الاستخبارات الأميركية على الإطلاق للاتحاد السوفياتي سابقا مقابل مليون و400 ألف دولار، إنها سلعة رخيصة وثمن بخس، ولكن يدفع ثمنها غاليا الوطن والمواطنون، فلا نامت أعين الجبناء والخائنين، وحفظ الله الكويت بلد السلام والإسلام من الخيانة والخائنين، ممن يبيعون أوطانهم وضمائرهم ومصاير شعوبهم للآخرين، مدفوعين إما لأسباب مالية أو عقائدية أو عنصرية... والحافظ الله يا كويت.
مقالات
ما الوطن؟
10-10-2015