تواجه دور النشر الخاصة اتهامات متعددة حول دورها في تدني مستوى الثقافة في مصر بما تقدمه من كتابات لا تحمل من صفات الإبداع شيئاً، وتصدرها وفق مجاملات لأصحابها. وتمس هذه الاتهامات أيضاً الدور الحكومية. ولكن ثمة من يرى أن دور النشر الخاصة «أضافت» إلى الوسط الثقافي وأدت دوراً إيجابياً لا يمكن إغفاله.
قال الأديب مكاوي سعيد إن {دور النشر بشكل عام سواء الخاص منها أو الحكومي، تهدر حقوق الكتاب، وكثير منها تمارس عمليات {النصب} على الكاتب والقارئ معاً، إذ يتفق الكاتب على كم معين من الكتب لطباعتها ليفاجأ أن السوق قد نال أقل مما هو متفق عليه من حيث التوزيع، علاوة على مشكلات الإخلال بحقوق الملكية الفكرية ورداءة نوع الورق المستخدم}. ووصف سعيد ذلك بـ {أزمة سوق كبرى} تتجاوز حدود دور النشر إلى ما أصاب الحقل الثقافي عموماً، لكنها وثيقة الصلة بالنشر كعملية .وأضاف سعيد أن كثيراً من الظواهر الحديثة والتي تهدد فكرة الكتاب المطبوع وعلى رأسها تنامي المكتبات الإلكترونية، كلها تحتاج إلى إمعان النظر في ما يواجهه الكتاب في مختلف مراحل إخراج المنتج الأدبي، وأن الاستفادة من تجارب الغرب وطريقة تعاملهم مع هذه الأزمات، قد تشكل {بداية جيدة} نستطيع من خلالها معالجة وإصلاح الأمور، وعلى رأسها {النشر}.من جانبها، اعترضت الكاتبة لمياء سعيد، مسؤولة العلاقات العامة في دار {أطلس} على أن ترعى الثقافة، التي هي محدد لتوجيه عقول العامة، {جهات خاصة}، ورأت أن البديل لا يجب أن ينحصر في الدور الرسمي ولكن على شباب المبدعين دور أيضا، وفي كثير من بلدان العالم دور للنشر تتبع الشباب، والذين غالباً يكونون قد عانوا مسبقاً من صعوبات تشترطها دور النشر الخاصة.وأضافت سعيد أن دور النشر الجديدة هذه تعتبر ظاهرة حديثة ولكنها فاعلة في أداء واجباتها، وتنشر الكثير من الأعمال التي تنال رضا القراء، وتكسر قاعدة ارتفاع التكلفة المادية التي تحول دون نشر إبداعات عدة، وتحارب ظاهرة الاحتكار التي لا تستقيم والرسالة التي تقدمها الكتب والمؤلفات، لافتة إلى أن ذلك ينعكس مباشرة على سوق الكتاب بما يحدثه من انتعاشه لتلك الأسواق نظراً إلى حركة تدفق المنتج الأدبي حينها.وتشدد في النهاية على ضرورة أن تتاح المنافذ بشتى الأشكال، {فلا أستطيع أن ألغي دور النشر الخاصة تماماً، كما أنه ليس من المعقول أن أحمل دور النشر الحكومية المسؤولية كاملة، ولا يستقيم أن ينحصر المجال الأدبي كله بما يفرزه من أعمال بين هذين البديلين}، مشيرة إلى ارتباط الأمر بأبعاد أخرى متعلقة بحسابات السياسة والاقتصاد، والتي تجد صدى فورياً في الساحة الأدبية، فلو أن النظام يؤمن بالتعددية في الحكم ويكفل طرق مسائلة ومحاسبة فظواهر سلبية عدة ستتلاشى، وعلى رأسها تلك التي تصيب جسد الإبداع والثقافة.انطباعات خاطئةيرى محمود سيف، مسؤول مبيعات في دار {الشروق} للنشر والتوزيع، أن ثمة {انطباعات مغلوطة عدة تترسخ في أذهان كثيرين عن دور النشر الخاصة، في مقدمها أننا نضع الكسب المادي ضمن أولوياتنا، ولا تعلم الأغلبية أننا نتعرَّض غالباً لخسارة فادحة، ولا تنظر إلى إيجابيات تصنعها تلك الدور في رفع كفاءة المجال بأكمله برعاية أسماء جديدة من الكتاب وبالحفاظ على الرموز القديمة عبر معاملة لائقة لما ينتجوه من إبداع.وأضاف سيف: {تعتني دور النشر الخاصة كثيراً بشكل الكتب وتعمل على وضع {جودة} الكتب والمؤلفات نصب أعينها، وتقوم بدور دعائي وترويجي ضخم كي لا تتوقف عملية النشر، وهي أمور كلها تصب في مصلحة {العملية الثقافية}. كذلك ترعى أحياناً الحفاظ على {حركة نقدية} قوية عبر الندوات وحفلات التوقيع}.وختم: {يتحدث الجميع عن مطالبات خيالية كالتي تنادي بسهولة متناهية في شروط النشر، وإتاحة الأمر لجهات عدة وتحريره من {ارتباطات} أراها حتمية. لعملية النشر إيجابياتها التي لا نغفلها، إلا أنه إذا سمح لكثيرين بأداء هذا الدور فسنجد حالة {سيولة} لأعمال سيكون أغلبها يتسم بـ {الرديء} ورأينا منها الكثير يهيمن على سوق الأدب حيث أصبح كل فرد قادراً على أن ينشر ما يكتبه سواء كان جيداً أو سيئاً.ويقول المسؤول في دار {الحلم} للنشر والتوزيع محمد السنهوري إن حالة {الانسداد} التي أصابت حركة النشر في بلدان عربية عدة، دفعته وبعضاً من أبناء جيله إلى تكوين دار نشر خاصة لها رؤيتها وتوجهها الخاص وشروطها في نشر الأعمال التي ليس من بينها أية تعقيدات تعيق جعل الأعمال الأدبية متاحة للجميع، مشيراً إلى أن عقيدته هي أن الحكم في النهاية سيكون للقارئ ولا أحد غيره يملك هذه السلطة.ويضيف السنهوري لـ {الجريدة}: {كان لدور النشر الخاصة أثر سلبي للغاية على حركة النشر، لأنها منعت تكوين خريطة للنشر، لغياب كثير من الألوان والأطياف الأدبية التي توقفت عند مرحلة النشر وكانت {حارس بوابة} بامتياز مارس سطوة الاحتكار أكثر مما سهل، ومنع أكثر مما سمح. وهذا الدور غير الإيجابي يجبر شريحة شبابية في النهاية على ابتكار بدائل أو تشجيع منتجات الدور الحكومية من ناحية أخرى ودعمها بسبل عدة}.تابع السنهوري: {دور النشر الخاصة لا يتوقف ضررها على طبقة الكتاب الجدد والمبدعين الشباب، ولكنه يمتد إلى تشكيل وعي المجتمع، والذي قد لا يتم بشكل سليم نظراً إلى المساهمة في ظهور عدد من الظواهر وعلى رأسها {الثقافة الاستهلاكية} والكتب الأكثر مبيعاً، فالمعايير التي تحدد الأعمال الجديرة بالنشر هناك {مادية بحتة} ونادراً ما تلتفت بوصلة دور النشر الخاصة إلى القيمة أو الأثر والمحتوى}.كذلك أشار إلى أن الدور الحكومية على الأقل تملك لجاناً تقرأ العمل وتضطلع بتصحيحه وتعديله.
توابل - ثقافات
«دور النشر الخاصة»... ناهض أم عائق للإبداع؟
28-07-2015