أبوبدر صديق عزيز دائماً، وأي نقاش له يختص بالسياسة ينهيه بعبارته الشهيرة: "السياسة لها أهلها، ما هو كل من هبّ ودب صار سياسي ويحلل!"... وفي الواقع معه حق، فهو في البلد الذي أصبح بلد المليون سياسي، أو بعبارة أخرى "سياسي لكل مواطن"!

Ad

أترك أبا بدر وأقواله السياسية نفع الله بها، وأحدثك عما يسمى بالعامية "محامر حريم"!، وإذا أردت أن تفهم هذه الكلمة بسهولة، فسأذكر لك الخبر المضحك المبكي عن إطلاق روسيا صاروخاً باليستياً من بحر قزوين لضرب داعش! خبر عجيب بكل ما تعنيه الكلمه من معنى!، فيبدو أن روسيا راقت لها الجلسة في الشام وأحبت أن تظهر مواهبها المدفونة، وبعد قصف "السوخوي" أرادت أن تستعرض بأسلحتها على الجثث الداعشية، وبطريقة تتحدث بها ضمنا للولايات المتحدة على قاعدة "عندي وعندكم خير"!

ولكن روسيا لم تدخل سورية إلا بترتيبات دولية مسبقة مع الدول المحورية في أحداث المنطقة، وضع خلفك أي كلام آخر، إذ إن الدخول الميداني لدولة كبيرة مثل روسيا، لا يتم إلا بعد تفاهمات متعددة، وتوقيعات مهمة تفتح الطرق وتعبّدها أمام الآلة العسكرية الروسية، والمتابع السياسي شاهَد بالصوت والصورة زيارة نتنياهو لموسكو، وبعدها تأييده للدخول الروسي، ولابد أن تركيا تم إبلاغها، ولا ننسَ السعودية ومصر والأردن والعراق التي علمت مسبقاً بموعد التدخل الروسي، ولم أذكر إيران لأنها أحد أطراف اللعبة الدموية في الشام، وهي التي رحبت ورقصت على وقع الظهور الأول للعسكرية الروسية بالشام.

ومن أهم المعطيات التي قد نستنتجها من الدخول الروسي ما يلي:

● أن روسيا لم تدخل إلا بعد أن تبين عدم قدرة جيش الأسد وإيران وحلفائهما على حسم المعركة العسكرية مع المعارضة.

● يبدو أن فزاعة داعش استهلكت ولم تعد قادرة على إتمام دورها المنوط بها من مموليها، وأهم دور هو تخفيف الضغط عن نظام الأسد.

● واضح أن الولايات المتحدة تخطط لإغراق واستنزاف القوة الروسية في سورية بعمل مشابه لظروف أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، وهنا ألفتُ النظر إلى دعوة بعض كبار المشايخ للجهاد في سورية!، في سيناريو قريب مما جرى في بلاد الأفغان، وعليه قد نرى في القريب تشجيع انضمام الشباب المتحمسين إلى الأحزاب الإسلامية المتقاتلة في سورية، وعمل حفلات التبرعات والندوات التي تحض المتحمسين على الدخول في القتال هناك!

في المقال السابق، ذكرت أن روسيا تدخل سورية بعين على أوكرانيا والقرم، وأخرى على سورية، وهو الواقع، وأزيد بأن روسيا بوتين تلعب سياسة مع الولايات المتحدة في ملعب سورية، لتساوم على القرم ومصالحها في أوكرانيا، مقابل تقديم تنازلات معينة في مواقفها إزاء نظام الأسد، لكن الولايات المتحدة، من الجانب الآخر، يزعجها أي تطور وتقدم عسكري وسياسي لروسيا، وروسيا اليوم تختلف عن روسيا غورباتشوف ويلتسن، إذ تطورت سياسياً وعسكرياً وتقنياً، واستطاع بوتين بجدارة استغلال تردد أوباما وأخطائه السياسية في أحداث الربيع العربي أفضل استغلال، واستطاع أن يدعم حليفه الأسد سياسياً ثم عسكرياً، حتى جعله ثابتاً على كرسي الرئاسة إلى اللحظة.

وأيضاً كان في ظاهرة اختراق الطائرات الروسية للمجال الجوي التركي رسالة للولايات المتحدة، لا إلى تركيا فحسب، وفحوى الرسالة الضمنية هو استطاعة الوصول السهل إلى قاعدة أنجرليك التركية التي تحتضن المقاتلات الأميركية، لذلك نحن في ظروف نادرة لم تمر بها المنطقة سابقاً، ويبدو أن وتيرة الرسائل ستزيد قريباً، والحل هو تفاهم روسي- أميركي حول مصير الأسد، وهو الذي سيكون مركز التفاهمات بين القوتين العظميين.

اللعبه كبرت، والعراق رحب بالتدخل الروسي، والمتوقع له أيضاً أن يدعو روسيا لمساندة جيشه في القتال ضد داعش، والسياسة المصرية تعلن تأييدها للدخول الروسي في موقف مختلف عن حلفائها الخليجيين، وهنا قد نتوقع التفاهم بهذا الخصوص بين مصر ودول مجلس التعاون.

المؤكد أن الأيام المقبلة تخبئ مفاجآت، وهنا أستدل على التصريح الأميركي، بأن هناك أياماً صعبة مقبلة على روسيا في الشام، وكل شيء متوقع، ونحن أمام لعبة دولية كبيرة، وعلى دول مجلس التعاون التعامل بحرفية وتفاهم وتنسيق جدي لتجنب أية مشاكل أو نتائج سلبية جراء صراع الكبار في الشام. وحسناً فعلت دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات عندما تقدمت بسرعة في عملياتها البرية والجوية في اليمن، لإنهاء الحرب وعدم ترحيبها بموقف صالح والحوثي لعقد محادثات، لأن الوضع حالياً بات قاب قوسين من النهاية، والأمور الميدانية تحرز تقدماً مبشراً، وإن شاء الله تحسم الأمور قريباً بدخول صنعاء، وإعادة الشرعية إلى مكانها الأساسي، وليس ذلك على الله بعزيز.

أختم هذه السطور بتذكر عبارة أبي بدر البليغة، فأقول: "نعم... السياسة لها أهلها".