«سيلفي القصبي»!
الفن وحده قد لا يكفي لمواجهة ظواهر «داعش» وأسباب نشأته وممارساته المجرمة أو حتى سبل القضاء عليه، ولكن رسالة الفن الهادفة تتطلب سياسات حكومية بالدرجة الأولى وقرارات قد تكون صعبة في البداية، ولكن الأهم من ذلك كله يأتي دور ومسؤولية رجال الدين، وما أكثر المتخاذلين منهم اليوم.
ما فعله الفنان ناصر القصبي في التصدي للفكر الإرهابي وممارسات التنظيمات التكفيرية المخزية بحق الإسلام عجز عنه الكثير من مشايخ الدين وعلماء المسلمين الذين بلعوا ألسنتهم واختبؤوا في منازلهم الفارهة، ولم يحللوا حتى تلك المبالغ الطائلة التي اغتنوا بها من خزانة بيت مال المسلمين. خلال حلقتين من سلسلة برنامج "سيلفي" كشف الفنان السعودي خبايا تنظيم "داعش" وبعضاً من صور جرائمه بحق البلاد والعباد بأسلوب الدراما الكوميدية، فكان قريباً من وجدان الناس وعقولهم، خاصة في رحاب شهر رمضان المبارك، حيث النفوس أكثر نقاءً والأرواح أقرب إلى الصفاء والشفافية، وقد جسّد القصبي حقيقة الوضع الأسود لإرهاب مدعي الإسلام والجهاد دون مبالغة، وبحسب ما تقتضيه دواعي التمثيل أحياناً، ولكنه أماط اللثام عن الحجر الإعلامي والتستّر على مخازي هذه الجماعات التي رعتها الكثير من أجهزة الإعلام الرسمية في العالم العربي من جهة، وحاولت بعض الفضائيات الخاصة ذات التمويل المشبوه تلميعها على مدى سنوات من جهة أخرى، حتى حوّلت "داعش" وأخواته إلى بعبع يسعى الكثير من ضعاف النفوس أو ضعاف الفكر والدين التودد له وكسب مرضاته!لست بصدد تقييم الجانب الفني لمسلسل "سيلفي" أو أعمال الفنان ناصر القصبي، وهذا من شأن الناقدين المتخصصين وجمهور المشاهدين، ولكن ما أفهمه من هذا العمل الفني أن مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة، خاصة تحت عباءة الدين، بحاجة إلى جرأة وشجاعة وتحدّ في مختلف الأبعاد، لا سيما في البعدين الثقافي والاجتماعي، وقد يكون القصبي قد وضع سلامته وحياته على المحك في هذا الظهور غير المسبوق، فمع الإشادة الجماهيرية العارمة التي تلقاها خلال الساعات القليلة الماضية تعرّض الرجل إلى تهديدات صريحة ووعيد بالانتقام!تهديد القصبي عبر تصريحات مسجلة بالصوت والصورة، ومن خلال الكثير من التغريدات تبين خطورة الوضع ورقعة الحواضن الفكرية والاجتماعية لتنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية، ومدى قساوة القلب والعقول المتحجرة التي لا تتردد حتى في قتل الابن لأبيه، ناهيك عن أفراد أسرته وبني جلدته وأهل وطنه، الأمر الذي يتطلب استئصال هذا الانحراف المقيت من جذوره حتى الفكرية والنظرية، وهذا يستدعي بدوره جهداً مكثفاً وبرامج واضحة الأهداف والمقاصد.الفن وحده قد لا يكفي لمواجهة ظواهر "داعش" وأسباب نشأته وممارساته المجرمة أو حتى سبل القضاء عليه، ولكن رسالة الفن الهادفة تتطلب سياسات حكومية بالدرجة الأولى وقرارات قد تكون صعبة في البداية، ولكن الأهم من ذلك كله يأتي دور ومسؤولية رجال الدين، وما أكثر المتخاذلين منهم اليوم، ولذا نأمل أن تكون لهم ربع شجاعة وجرأة ناصر القصبي، كما نأمل أن يكون الفن هو الوعاء الجامع لهموم الشعوب من خلال التركيز على الثوابت والقواسم المشتركة، وأن ينأى عن إثارة الفرقة والفتن التي زرعتها بعض المنابر والأبواق النتنة فمزقت أوصال الأمة!